ينقسم العرب من حيث تقييم صدقية إيران في تبنيها لشعارات المقاومة وتحرير فلسطين، وهذا الانقسام له أسبابه، لكن تداعياته تشتد بسبب الحرب على غزة، وما تتركه من أثر صعب.
هذا الانقسام أسهم في زيادته أكثر من سبب؛ أولا: الاصطفاف المذهبي في ظل انشقاق سني شيعي تغذيه وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعي، والسياسيون، ورجال الدين، وهو انشقاق يصل حد التكفير المتبادل، مع وجود تيارات متطرفة في المذهبين، مثل الشيرازيين لدى الشيعة، والدواعش لدى السنة. وثانيا: ما جرى في سورية، على خلفية الحرب ومنسوب التحسس السني من تدخل قوى كثيرة داخل سورية، وحجم التحسس الشيعي من تشغيل جبهات عسكرية وإرهابية ضد الشيعة في العراق وسورية، والتجييش ضدهم في كل مكان، بما كرّس هذا الانشقاق. وثالثا: عدم وجود أدلة كبرى على تدخل إيراني مباشر لصالح فلسطين، عدا دعم المقاومة وإشعال جبهات مختلفة، بدرجات غير كافية بنظر العرب السنة، فيما يأخذ الشيعة على العرب السنّة أنهم يتثاقلون ولا يطلقون رصاصة، وفوق هذا ينتقصون من يقاوم برغم الدعم المقدم.
في كل الأحوال تلك ملاحظات سريعة، والتعمّق فيها بحاجة إلى ورش عمل، لكن ما يقال اليوم إن المعسكر الإيراني يخضع لاختبار صعب من جانب العرب السنة، الذين للمفارقة لا يفعلون شيئا مقارنة بإيران، فالكل يتندر على تأخر الرد الإيراني، بعد اغتيال شخصية فلسطينية، والكل يسأل أين الرد؟ والكل يشير إلى انخفاض نبرة الغضب الإيراني بعد هذه الفترة، وبدء الحديث عن أنماط مختلفة من الرد، إذ بدلا من الصواريخ، وصلنا حد الحديث عن رد استخباري.
بالمقابل فإن رد المعسكر الإيراني وتوابعه يأتي حادا، ويقولون إن جبهات إيران في اليمن ولبنان والعراق وسورية، وحتى غزة، تقدم الدم، وتحاول كل يوم إيذاء إسرائيل، ضمن وصفات متدرجة، تخضع لحسابات كثيرة، ولسان حالهم يقول للعرب السنّة.."افعلوا مثلنا على الأقل، بدلا من التنظير علينا".. وسط إشارات على ضيق هذا المعسكر من محاولات الانتقاص من جهوده وهو الذي يقدم الدم والعتاد والسلاح في جبهات كثيرة، مقارنة ببقية مسلمة متفرجة في المنطقة.
في كل الأحوال وبعيدا عن عواطف البعض فإن إيران لن ترد بشكل صاعق على ما جرى في طهران لعدة أسباب؛ أولها أن المستهدف فلسطيني، وهي لم ترد بشكل مدو على استهداف إيرانيين في إيران وخارجها. وثانيها أنها تدرك أن أي رد غير محسوب قد يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية، ودولية، لا تريدها إيران ذاتها، ولا دول المنطقة. وثالثها أن إيران ما تزال تستكمل مشروعها النووي ولن تقدم ورقة لإسرائيل وواشنطن لاستهدافها وهي لم تُنهِ مشروعها، والأولوية لاستكمال المشروع لا التهور والرد بما قد يدمر كل إيران. ورابعها أن جماعات إيران تتولى الرد حاليا وترفع الوتيرة بشكل متدرج ومدروس في اليمن ولبنان تحديدا، وهذا أمر كاف تكتيكيا. وخامسها أن إيران تدرك أن إسرائيل تريد استدراجها نحو حرب كبرى، وقد تلقت طهران نصائح بأن تقايض على وقف حرب غزة، مقابل عدم ردها على إسرائيل، بدلا من التسرع والرد وحرق المنطقة، وإغلاق الباب أمام إسرائيل. وسادسها أن المشروع الإيراني ذاته لم يستقر في المنطقة في العراق وسورية ولبنان واليمن، وربما تفضل إيران ترقية وضعها وتحسين وضعها التفاوضي مع واشنطن وترسيم النفوذ في المنطقة والاعتراف بمساحاتها بدلا من التورط برد عاجل. وسابعها أن إيران نهاية المطاف لن تدمر ذاتها وشعبها وثرواتها من أجل أي أحد آخر، سواء كان فلسطينيا، أو عربيا، أو إسلاميا، إذ لإيران حساباتها الداخلية هنا مثل أي دولة.
الحسابات السابقة، ستقود المنطقة بالحرب أو السلم، إلى إعادة صياغة، وعلينا ألا ننسى هنا أيضا أن إسرائيل التي لديها حساباتها قد تفضل ذات لحظة سيناريو تدمير المنطقة عسكريا أو سيناريو تقاسم النفوذ سلمياً، ليبقى السؤال حول القوى العربية المعلقة وسط هذه الخرائط، وما هو مصيرها، وسط حالة التأرجح والترقب، والحيرة، والضعف والتبعية أيضا.
علينا أن ننتظر فقط الأيام المقبلة لنفهم جيدا.