في عتمة فُرضت عليّ لم أخترها بانقطاع التيار الكهربي- بعد ضوضاء ما يحيط بي فجأة يُخيّم سكون لم أعهده – ظلمة كظلمة قبــــــر-
بمخيلتي حفرت قبــرا وجلست فيه لحظات بالرغم من دفء المكان إلا أني شعرت ببرودة تتسلل جسدي- بدَأَتْ تصطك أسناني وترتعد لها جوارحي- وسؤال واحد يتبادر لذهني ماذا وكيف فعلتُ بحياتي ؟وما الجديد الذي قدّمْتُه لديني وعروبتي ومجتمعي- حاولت أن آتي بكل المآثر والفضائل لم أجدها تشفع لي مقابل تقصيري – لم أكن بقدر المسؤولية التي حُمّلْتُ عليها- هكذا كانت تحدثني نفسي عندما ابتدأت التذكّر والتفكّر بأناس يعيشون مثل تلك اللحظات المُعتمة ربما طوال حياتهم أو معظمها – جبرا وكرها لا اختيارا- وفوق هذه الظّلمة والظّلْم دَوي قَصْف فوق رؤوسهم ولكنها أصبحت للأسف ركيزة من أساسيات واقعهم فقد أيقنوا أن لا تغيير سيحصل -إلا بإذن الله- فكل ما حولهم جامد لا يُحَرّك ساكنا- سواء فلسطين أو غزة- العراق- باكستان- الصومال وأفغانستان وما نيجيريا والمجازر التي تحدث فيها ببعيد.
أراضٍ تُروى بدماء مسلمة وأفواه ترتجي رغيف الخبز- وعيون تتأمل شُعلة نور تنير الدرب فقد أوشكت أن تشخص الأبصار- والروح أسيرة بين جسد مُقيّد وما بين استعمار وقوانين موضوعة متداولة بين شدّ وصدّ.
بدأت شمعتي تتناقص وقطراتها تتزايد ومع تزايد القطرات تتزايد دموع قلبي وعيني تارة حزنا على أمم وشعوب تُقَتّل وتُذَبّح وتُحاصَر وتَتَنادى ولا مغيث وتارة حزنا على أحوالنا وكيف سنكون بمواجهة ملك الملوك حين يسألنا أين انتم مما كُلّفْتُم به من دعوة وعمارة واستخلاف فقد جعلتكم خلفاء من بعدي بالأرض ولكنكم تهاونتم واتبعتم الشيطان وهوى النفس .
ويــلي—من ضمّة القبــر ومن سؤال الواحد جبار السموات والأرض ماذا فعلنا؟ وماذا قدّمنا؟ لنصرة دين الحق ونصرة المظلوم القريب والبعيد – فنصرتهم فرض عين على كل مسلم- هل قدمنا مساعدة مادية ولو بشق تمرة- متى كانت آخر مرة وصَلْتَ بها ذي رَحِم محتاج أو جارٍ عفيف مكروب؟ متى كانت آخر مرة أخرَجْت من جيبك بطيب نفس صدقة من أفضل مالك ووضعتها بصندوق محتاج ؟ كم من شاب يسعى للحصول على عمل في ظل الأزمات الخانقة والمحسوبية التي نعيشها ؟ كم من شاب يرجو الزواج الحلال في ظل الغلاء المدمّر ؟كم من فتاة تحلم بالاستقرار بإنسان نقي تستطيع الاعتماد عليه لتزيل كاهل مسؤولية العمل التي فُرِضَتْ على بنات حواء من حضارة مزيّفة ومُطالبة بحقوق هي بالأساس مُنْتَقصة من هذه الحضارة والفكر الدخيل؟ كم من أرملة ويتيم لو قدّمْتَ لهم يد العوْن لكفيتهم العوَزْ وكانت كافية لتشفع وتزيل الغُمة عن كل الأمة - هل قدمنا مساعدة معنوية كل حسب قدرته؟- أو حتى مجرد دمعة عين صادقة تخشى الله أو قلب باكي داعي لله بالرحمة والنصر – قلب حزين على أوضاع آلت إليه أحوالنا وإخواننا المستضعفين.
إذا كان الإنسان الضعيف مثلنا الذي لا حول له ولا قوة لا يستطيع تقديم سوى بضع كلمات يخطها أو مجرد دعوات صادقة يتفوه بها ليس ببعيد عن السؤال والمحاسبة - ربما رحمة الله تعالى تكون لنا شفيعة يوم لا ينفع
ما ل ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم-
فما بال أصحاب رؤوس الأموال والمراكز وذي السلطان-هل يُحاسِبون أنفسهم ويتساءلوا قبل أن يُحاسَبوا ؟
هل سيكون سؤالهم وحسابهم مثلنا؟ وكيف ستكون ضمّة القبر وعذابه؟ أين هم عندما ينادي ملك الملوك أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ( أي الظلمة القاهرون) ؟ أين المتكبرون (أصحاب الأموال والجاه)؟
أتُرى ستأتي قلوبنا وقلّة حيلتنا وهواننا على الناس شفيعة فيكون قبرنا روضة من رياض الجنة- أم سيكون تقاعُسنا وخذلاننا للمحتاجين والمظلومين المحرومين حفرة من حفر نار جهنم أكاد أحس فيحها ولهيبها
يـــــــــــا لله أجرنا.
فجأة رجع التيار الكهربي- لوهلة أحسست بنَفَس طويل يخرج من بين جنبات صدري كأن الروح قد أعيدت إليّ حمدت الله على أنها كانت أحاديث نَفْس وليست حقيقة- ولكني عدت وتمنيت أن ينقطع التيار الكهربي مرة أخرى فما كان من أحاديث نفس أهون بكثير مما يتصوره العقل في حقيقة القبــر وحسابه- ولا حول ولا قوة إلا بالله.