شهدت إيران تقلبات ملحوظة في مواقفها تجاه اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي قُتل في عملية اغتيال نُسبت إلى إسرائيل ، في الأيام الأولى بعد الاغتيال، كانت ردود الفعل الإيرانية قوية ومباشرة، حيث تعهدت القيادات الإيرانية، بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بالانتقام من إسرائيل ، لكن مع مرور الوقت، أصبحت إيران تواجه تحديات داخلية وخارجية معقدة، مما أدى إلى تغيير استراتيجيتها ، ومحاولة القفز فوق ردود الفعل الإيرانية الفورية ، التي جاءت كرد فعل بعد اغتيال إسماعيل هنية، حيث صعّدت إيران من لهجتها العدائية تجاه إسرائيل ، وفي مدينة قم، تم رفع العلم الأحمر الذي يرمز إلى الانتقام على قبة مسجد جمكران، في إشارة رمزية قوية إلى عزم إيران على الرد ، كما شاركت وسائل الإعلام الإيرانية بشكل واسع في نشر رسائل التهديد، وأكد المرشد الأعلى آية الله خامنئي أن النظام الصهيوني سيعاقب بشدة على هذا العمل ، إلا أننا نلحظ
تراجع تدريجي في الموقف الإيراني ، فرغم هذه التهديدات العلنية، بدأت المواقف الإيرانية تتغير تدريجيًا ، في الوقت الذي كان فيه الهجوم الصاروخي والطائرات المسيرة الذي شنته إيران على إسرائيل في 13 أبريل 2024 بعد استهداف السفارة الإيرانية في دمشق غير كافٍ بالنسبة للشعب الإيراني ، ومع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن القيادة الإيرانية تواجه ضغوطًا داخلية كبيرة، تدفعها إلى إعادة التفكير في مدى جدوى الهجوم على إسرائيل ، ولعل إحدى هذه الضغوط تتعلق بالوضع الداخلي في إيران، الذي يعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية كبيرة، تتفاقم بسبب العقوبات الاقتصادية المستمرة ، بالإضافة إلى ذلك، تواجه إيران مرحلة انتقالية حرجة بسبب المخاوف المتعلقة بوفاة المرشد الأعلى آية الله خامنئي، وهو ما يجعل القيادة الإيرانية تسعى إلى تجنب أي تصعيد يمكن أن يؤثر سلبًا على استقرارها الداخلي ، بالتالي وجدت إيران نفسها مجبرة على ممارسة ما تسميه سياسية الانتقام والصبر الاستراتيجي ، وتواجه القيادة الإيرانية اليوم معضلة حقيقية بين تنفيذ تهديداتها بالانتقام من إسرائيل أو اتباع سياسة الصبر الاستراتيجي التي اعتمدتها في السابق ، فمن جهة، يتوقع الشعب الإيراني ردًا حازمًا على اغتيال هنية، ولكن من جهة أخرى، تدرك القيادة الإيرانية أن أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الوضع الداخلي ، وخلال السنوات الماضية، اتبعت إيران سياسة الصبر الاستراتيجي في مواجهة الهجمات التي استهدفت قادتها ومنشآتها العسكرية ، و لكن هذه السياسة أصبحت موضع شك في أوساط الشعب الإيراني، الذي يرى فيها عدم كفاية لتحقيق العدالة والردع ، ولذلك، تجد إيران نفسها اليوم مضطرة إلى البحث عن بديل جديد يوازن بين الحفاظ على هيبتها أمام شعبها وعدم التورط في مغامرات عسكرية قد تكون مكلفة ، و من هنا جاءت فكرة
التراجع كخيار استراتيجي ،
أمام هذا الواقع المعقد، بدأت إيران في التفكير في تبني ما يمكن تسميته "التراجع الإستراتيجي" ، و هذه السياسة تتيح لإيران الامتناع عن الرد العسكري المباشر على إسرائيل مقابل تحقيق مكاسب سياسية أخرى، مثل وقف إطلاق النار في غزة، الذي قد يعزز من مكانتها في العالم الإسلامي ، و هذه السياسة، التي بدأت تظهر إشاراتها في تصريحات آية الله خامنئي ومسؤولين إيرانيين آخرين، تُعتبر خطوة تكتيكية تهدف إلى تجنب التداعيات السلبية المحتملة لأي هجوم على إسرائيل، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على الهيبة الإيرانية أمام الشعب والعالم ، وخلاصة القول ، تجد إيران نفسها اليوم في مرحلة حرجة تتطلب منها اتخاذ قرارات مصيرية ، بين الانتقام والتراجع، ويبدو أن القيادة الإيرانية تميل إلى اتباع نهج وسط يوازن بين مختلف الضغوط والتحديات التي تواجهها ، ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة إيران على تنفيذ هذه الاستراتيجية دون أن تفقد ثقة شعبها أو مكانتها الإقليمية ، و في النهاية، قد تكون سياسة "التراجع الإستراتيجي" هي الخيار الأكثر حكمة للخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر الممكنة ... !! مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي