ما بين صمت الجيش الإسرائيلي وصفقة الأسرى ، و الإنهيار المزدوج لإسرائيل والمنطقة ... !! د. رعد مبيضين.
تشهد إسرائيل اليوم أزمة غير مسبوقة تتجلى في تصاعد التوترات الداخلية والخارجية، وتراكم التحديات الأمنية والسياسية ، و في هذا السياق الحرج، يبرز صمت الجيش الإسرائيلي وقيادته الأمنية كعنصر حاسم في مستقبل الدولة، خاصة في ضوء المفاوضات المتعثرة حول صفقة تبادل الأسرى مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ، ولكن لفهم أعمق لهذه الأزمة، من الضروري استعراض السياق التاريخي ، والرؤى المتنوعة، والأبعاد الاقتصادية ، والاجتماعية والسياسية المحيطة بها ، وعن السياق التاريخي ، علينا توضيح العلاقة بين الجيش والسياسة في إسرائيل ، حيث تعد العلاقة بين الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية في إسرائيل من أكثر العلاقات تعقيدًا في النظام السياسي للدولة ، و تاريخيًا، شهدت إسرائيل عدة حالات من التباين في وجهات النظر بين الجيش والحكومة، وهو ما أدى أحيانًا إلى أزمات حادة ، فمثلاً، كانت حرب لبنان الأولى عام 1982 مثالًا بارزًا على التباين بين القيادة العسكرية والسياسية ، و في تلك الفترة، لعب الجيش دورًا بارزًا في التأثير على القرار السياسي، وهو ما أدى إلى تدخلات خارجية أثرت سلبًا على إسرائيل على المدى الطويل ، وهذا التوضيح المختصر والعاجل ، يقود إلى تفهم الرؤى المختلفة ، حول : هل الصفقة هي الحل الأمثل؟!
ففي الوقت الذي يعتبر المحلل العسكري آموس هارئيل أن صفقة تبادل الأسرى قد تكون حلاً مؤقتًا للأزمة، فإن هناك آراء أخرى تطرح بدائل مختلفة ، حيث أن بعض المحللين يرون أن إتمام الصفقة دون تقديم تنازلات كبيرة قد يعزز من موقف حماس ويضعف موقف إسرائيل على المدى الطويل ، وفي المقابل، يرى آخرون أن تجاهل المفاوضات بالكامل قد يؤدي إلى تصعيد عسكري واسع النطاق يشمل أطرافًا إقليمية متعددة مثل حزب الله وإيران ، في ظل عوامل إقتصادية إجتماعية تشي بأن ثمن الاستمرار في الجمود سيكون باهظاً ، ويأتي هذا الثمن
إلى جانب التحديات الأمنية، حيث تواجه إسرائيل ضغوطًا اقتصادية واجتماعية متزايدة ، واستمرار الأزمة دون حل قد يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين الدوليين وتفاقم البطالة ، بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات الداخلية المتزايدة قد تؤدي إلى انقسامات داخلية عميقة بين مختلف مكونات المجتمع الإسرائيلي، مما يعرض الوحدة الوطنية للخطر ، فضلاً عن الأبعاد القانونية والدولية ، وجملة التحديات المقبلة أمام إسرائيل ، فعلى الصعيد الدولي، تواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة من قبل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بشأن معاملتها للأسرى الفلسطينيين ورفضها تقديم تنازلات في صفقة تبادل الأسرى ، وهذه الضغوط قد تؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية وتضر بمكانة إسرائيل على الساحة العالمية، خصوصًا في ظل تراجع الدعم الأمريكي الفعلي وانشغال واشنطن بقضايا أخرى ، ما يجعلنا امام سيناريوهات مستقبلية ، بين الحل والانفجار ، وبالنظر إلى الوضع الراهن، يمكن تصور عدة سيناريوهات لمستقبل الأزمة. أولها هو نجاح الصفقة، ما قد يمنح إسرائيل فترة مؤقتة من الاستقرار النسبي، لكن قد يعزز في المقابل موقف حماس ، السيناريو الآخر هو استمرار الجمود، مما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري شامل يمتد إلى جبهات متعددة ويشمل أطرافًا إقليمية قوية ،و كما يمكن أن تؤدي المماطلة في إنجاز الصفقة إلى نزاع طويل الأمد يتجاوز حدود إسرائيل ، كل ذلك والرأي العام الإسرائيلي ، بين الأمل والخوف ، فالداخل الإسرائيلي ، تتباين فيه آراء المواطنين حول صفقة تبادل الأسرى ، في حين يرى البعض أن الصفقة ضرورة لتخفيف التوترات وإعادة الأسرى إلى ديارهم، يرى آخرون أنها تنازل كبير قد يُضعف موقف إسرائيل في المستقبل ، و هذه الانقسامات في الرأي العام تضيف ضغطًا إضافيًا على القيادة السياسية والعسكرية لاتخاذ قرار حاسم ، إضافة لذلك المشهد المعقد ، لا بل الغاية في التعقيد تأتي التحديات الأمنية ، و ما وراء الصفقة ، حيث لا تقتصر التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل على صفقة تبادل الأسرى فحسب ، فهناك تهديدات أخرى مثل الهجمات السيبرانية المتزايدة، والتحالفات الإقليمية المتغيرة، والتوترات المستمرة على الجبهة الجنوبية ، وهذه التحديات، إلى جانب التوترات الداخلية، تجعل الوضع أكثر تعقيدًا وتضع القيادة الإسرائيلية أمام خيارات صعبة جداً ، بالتالي لابد من ضرورة اتخاذ القرار قبل فوات الأوان ، سيما وأن إسرائيل تقف اليوم على مفترق طرق خطير، حيث يتوجب على قادتها اتخاذ قرارات جريئة وسريعة للحيلولة دون انزلاق الدولة نحو هاوية الصراعات الإقليمية والخسائر البشرية الفادحة ، و إن صفقة تبادل الأسرى، رغم ما قد تحمله من تنازلات مؤلمة لإسرائيل ، فقد تكون السبيل الوحيد لإنقاذ إسرائيل من أزمة خانقة تهدد بقاءها واستقرارها ، وبالتالي، يتوجب على الجيش الإسرائيلي وقيادته الأمنية الخروج عن صمتهم، ومخاطبة الشعب بوضوح حول الواقع الأمني والسياسي الذي تواجهه البلاد ، و إن الشجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة والإفصاح عن الحقائق المؤلمة هي السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة المجتمع الإسرائيلي ومنع انفجار الوضع الداخلي والإقليمي على حد سواء ، مع أننا لا نرى في حكومة نتنياهو أي شجاعة تذكر ، ومنذ بدء الحرب على غزة لم نرى إلا مجازر وتشريد لهذا الشعب الأعزل ، وقتل للأطفال والنساء ، وفي المقابل أيضا خسائر كبيرة جداً في الجيش الإسرائيلي وقتل الكثير من الجنود والضباط ، وكل ما يحدث من دمار شامل لطرفي المعادلة ، يأتي كقربان من أجل إنقاذ نتنياهو من المصير المجهول ، والذي على أقل تقدير سيكون مصيره السجن ، ما يعني أنه لا حل إلا بخلع نتنياهو ومحاسبته ووقف هذا السيل من الدماء الذي قد يودي بعموم المنطقة ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .