شهدت العلاقة بين الأجهزة الأمنية والإعلام تطورا كبيرا، وقياسا على السابق نضج الطرفان، فالعلاقة بينهما قائمة على الاستقلالية لا التبعية، فالأجهزة لا تتسلط على الصحافي وهو بالمقابل لا يناكفها. ولم يعد الصحافي كما الحال في البلدان الشمولية مجرد مصدر للأمن يزوده بالمعلومات ويستكتب بحسب الطلب.
مع ذلك تظل بعض التصرفات غير مفهومة، وغير مقبولة، والسكوت عليها سيقود إلى التراجع. أذكر هنا مثالين، الأول ما حصل للصحافي في جريدة السبيل خليل قنديل أول من أمس. فهو صوّر دائرة السير، في موضوع خدمي، وعندما اعترض عليه الأمن الوقائي اعتذر ووعد بشطب الصور، إلا أن هذا لم يشفع له، وأوقف في النظارة مع المجرمين والمطلوبين.
لم أستوعب ما جرى للزميل، في ظل التوجيهات الملكية بمنع توقيف الصحافي، والانفتاح –غير المسبوق- لإدارة الأمن العام على الإعلام. وفي اليوم التالي، استكمل التحقيق مع الصحافي يوما كاملا في دائرة المخابرات العامة.
والحمد لله لم يبت الزميل في الزنزانة!
المثال الثاني يتعلق بالموافقات المسبقة على التصوير التلفزيوني، ومع أن هذا البند لا يلتزم به من أكثر التلفزيونات، إلا أنه يستخدم عند الحاجة. وفي بعض الأماكن لا يمكن تجاوزه. أراد تلفزيون الجزيرة / أطفال عمل برنامج عن أم قيس، والقناة لا تتدخل بالسياسة، وتقوم بدور تربوي مشهود، إلا أن طلب التصوير رفض لأسباب أمنية، كون المنطقة عسكرية!
وفي برنامج" للقصة بقية" في الجزيرة، حاولت عمل تقرير عن سد الوحدة، فقد عملت تقريرا قبل تسع سنوات قلت فيه إن المياه ستغمر هذا الوادي الذي أقف فيه. وها هي غمرته، لكن الموافقة الأمنية لم تحصل أيضا. الغريب أن الموافقة حصلتُ عليها قبل تسع سنوات وتعثرت هذه الأيام! ومع أن الأوضاع الأمنية كانت أكثر حساسية عندما افتتح جلالة الملك والرئيس السوري مشروع السد إلا أننا دعينا مع جميع وسائل الإعلام للتصوير ولم يكن ثمة محظور أمني.
لا يوجد بلد في العالم يسمح بتصوير كل المرافق، لكن توجد آلية شفافة وواضحة للسماح والمنع. في منطقة حدودية عسكرية، لا يعترض الصحافي على وجود مرافقة، لكن هذه المرافقة غير مقبولة عندما يصور في مخيم للاجئين أو عندما يذهب لجامعة أو غيرها من مرافق مدنية.
ستظل العلاقة بين الأمن والإعلام جدلية حتى في أعرق الديمقراطيات، فالأمن وظيفته أن يعمل في الظل والإعلام وظيفته أن يعمل في الضوء. وفي البلدان الشمولية استقرت العلاقة تبعية للأمن، وفي البلدان الديمقراطية استقرت لصالح الاستقلالية، والمشكلة تظل في "الديمقراطيات الناشئة" التي لم تستقر فيها التشريعات ولا التقاليد ولا الممارسات.