صمود الفلسطيني في الداخل مصلحة أردنية عليا .. قوة ومنعة الأردن مصلحة فلسطينية وأولوية قصوى ..
هناك من يعتقد أن ما يجري من عدوان همجي وحشي على شعبنا في غزّة وفي مدن وقرى الضفة الغربية من نهر الأردن الممتد أصالةً والموغل تاريخاً راسماً ضفتين من وجع وحلم. أقول هناك من يظن أن الأردن ليس في عين العاصفة، وأن ما يترتب وينتج عن أية حسابات واصطفافات داخل الأرض المحتلة، سيكون الأردن في منأى وفي غنى عن التفاعل معها أو التأثر بها.
إن الأردن منذ كان وكانت فلسطين سواء بشكلهما العرضي سابقا أو الطولي حالياً، فقد تشكّل شعب لا يختلف في طباعه وعاداته وثقافته غرباً أو شرقاً شمالاً او جنوباً، والمحلل الجغرافي والتاريخي يستطيع اكتشاف درجة الانصهار والإندماج بين الطرفين في مختلف التفاصيل والشؤون الحياتية.
إن ما يجري من محاولات توريط مناطق السلطة الفلسطينية التي تعاني من حصار خانق وتفتيت وتقطيع أوصال وروابط المدن والقرى والتجمعات الفلسطينية عبر سلسلة من الجدران العازلة والطرق الالتفافية والاستيلاء وسرقة الأراضي من قبل قطعان الغاصبين. هذا كله في ذهن وعقل الدولة الأردنية التي عليها دور وحدوي وإنساني في وقف الاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطيني، وهذا الدور ليس ترفاً، وإنما يمثّل جزءاً محورياً من مفهوم الأمن القومي والوطني للأردن.
لم تعان مدينة مثلما عانت غزّة ونابلس وجنين وطولكرم والخليل ورام الله وحتى القدس ومخيمات اللجوء داخل الوطن المغتصب، فهي ما أن تخرج من مجزرة حتى تدخل في مداهمات واعتقالات وقتل للأبرياء بذريعة البحث عن مقاومين. وهذه هي سياسة الكيان المجرم، فهو ومنذ السابع من أكتوبر يتذرع بأنه يريد تحرير الأسرى الصهاينة ويريد التخلّص من قيادات المقاومة ويريد أن يجعل من غزّة منطقة خاليةً من أية إمكانيات مستقبلية للصمود أو حتى الدفاع عن النفس، يريدها مستباحة مسالمة لا حول لساكنيها ولا طول، فقط عيش كالأنعام.
في كل يوم نتوجع على مجازر ودمار ضد المدنيين، فالملاحظ أن هذا الكيان المتغطرس ليس معنياً إلا بالقتل لأجل القتل ومسح الوجود المادي والبشري للفلسطيني، ولا أدل على ذلك من أنه وبعد مرور ما يقارب السنة على العدوان المتواصل، لم يتم تحرير الأسرى كما زعم رئيس العصابة الصهيونية، ولم يتم التخلّص من قيادات المقاومة، فقط الإنجاز الوحيد هو عبثية وفظاعة القتل اليومي بحق الأطفال والمرضى وكبار السّن، بما يؤكد أن هذا الكيان ليس إلا عبارة عن « آلة للقتل» وأنه وجد ليعبث ويدمر. فالحقيقة أن الكيان الصهيوني لا أهداف له في عدوانه المجرم على الأرض والشعب الفلسطيني إلا مزيداً من القتل والتدمير الممنهج الهادف لتفريغ الأرض من التواجد الفلسطيني .
لم تسلم مدن وقرى الضفة من أن تنال نصيبها من همجية ونازية الصهيوني، فهي بالرغم من عدم مشاركتها فيما بعد السابع من أكتوبر، إلا أنه يتم اقتحام بلداتها كل يوم، وما مخيم نور شمس في طولكرم ومخيم جنين إلا أكبر مثالٍ على أن الدم الفلسطيني والمصير والواقع واحد لا فرق فيها عند تحديد العدو واستهدافاته.
عودة لمفهوم العمق والمصير الواحد، فإنه كما هو الحال بالأردن عمق لفلسطين، لا تقل أهمية فلسطين كعمق للأردن، لا خيار في ذلك ضمن معطيات الأرض والتاريخ والجغرافيا والماضي والتراث والمستقبل والمصير الواحد.
أيام ونصل إلى السابع من أكتوبر من جديد، سنة بأكملها والدم حار قانٍ ما زال يراق ويسفح دون وازعٍ من إنسانية، لقد أجمعت الشعوب في العالم على بلطجة الكيان المارق النازي وعلى اقترافه للإبادة البشرية الجماعية والإبادة الثقافية والتاريخية، وشهدت عواصم وكبريات المدن العالمية المسيرات والاعتصامات التي لم تشهد مثلها من قبل مناصرةً للشعب الفلسطيني المضطهد والمقهور والمغتصبة أرضه.
إننا في عين العاصفة.