لم نسمع عن هدر الدم الا في الاحكام القضائية التي كان يصدرها القضاة المحليون قديما لشذّاذ الافاق او المفسدين في الارض ، ومع تطور المدنية انتهت الاحكام والظاهرة ، الى ان اعادت نبشها وزارة الصحة على لسان ناطقها الاعلامي ، في معرض دفاعه عن قرار الوزارة استيفاء مبلغ 15 دينارا ثمنا لوحدة الدم من الاردنيين 40و دينارا من غيرهم ، وانه جاء لسد جزء من التكلفة ووقف الهدر الذي يقارب الـ60% ، فالوزارة تؤكد ان حاجة المستشفيات فقط %40 من حجم الوحدات المستخدمة.
المواطن عليه ان يتحمل وزر اهدار المستشفيات لدمه ، وعليه ان يتحمل ثمن دمه المراق على قارعة الثلاجات واروقة غرف العمليات ، ولم تلجأ الوزارة الى ضبط النفقات وتقنين الاسراف في اهداره فلجأت الى الحل الاسهل وهو تحميل المواطن ثمن هذا الخلل الذي يشير الناطق الاعلامي الى اسبابه ومسبباته والتي تخلو كلها من دور المواطن حتى يتحمل ثمن ما فعلت يداه.
لا يستطيع المواطن ان يتحمل كل هذه الاعباء وسط اعتراف رسمي بأن الظرف صعب ولا يتوافق ذلك مع تصريحات حكومية بأنها ستحافظ على مستوى معيشة المواطن وانها ستعمل على رفع عدد ابناء الطبقة الوسطى الذين بتنا نبحث عنهم بالمندل ، بل اننا نقترح انشاء متحف لهم حتى لا ينسى ابناؤنا ملامحهم وشكلهم.
قد تكون هناك اسباب حقيقية وراء القرار ، كان على الوزارة ان تقدمها قبل اعلان تسعيرة الدم ، وكان عليها ان تفتح مجالا لاراء قد تسهم في تخفيف الضرر فكلنا يعرف ان ثمة كلفة لفحص الدم والمحافظة عليه قبل تقديمه للمحتاج ، لكنها ليست بهذا الحد من الارتفاع اذا اخذنا في الاعتبار ان الدم كان مجانا.
مشكلتنا اننا نطرح الاسباب الموجبة بعد القرار لا قبله ، مما يضعف وجاهتها ومما يفقدها التعاطف والدعم ، فالقرارات الفجائية دوما محط شك وريبة ، ودوما تحمل على محمل سوء النوايا ، فما الذي منع الوزارة من الاعلان عن رغبتها في توفير دعم لصندوق التأمين الصحي يكون تسعير وحدة الدم رافدا له او جزءا من روافده ، وما الذي منع الوزارة من التباحث مع المستشفيات في ايجاد آلية لضبط الاسراف والهدر والتباحث في انعكاس ذلك على المرضى من غير الاردنيين وتحميل السياحة العلاجية نسبة من هذه الكلفة وتخفيفها على الاردني الذي بالعادة يأتي الى يوم العملية مع اقاربه واصدقائه الجاهزين للتبرع ان احتاج مريضهم ذلك.