من المنطقي أن يكون هناك حديث "عميق وجدي ومتنوع" عن سيناريوهات ما بعد الانتخابات. ومع المستجدات الإقليمية المحيطة والملتهبة فإن وضع تلك السيناريوهات يصبح واجبا وضرورة حيوية لمواجهة القادم، وهو سيئ جدا.
هذه الانتخابات التي سيعبرها الأردن غدا، هي بحد ذاتها مرحلة عبور، والمشاركون فيها هم جزء من المشهد القادم، لكن الواقعية تفرض علينا أن نتوقع مفاجآت تتعلق بالواقع الذي يفترض ان يتم تغييره، فكثير ممن يعتقدون أنهم باقون في المشهد القادم والجديد سيغادرون، ومن يعتقدون أنهم سيغادرون فإن اعتقادهم صحيح ومريح لهم وللجميع. وهنا لا نتحدث عن أعضاء المجلس النيابي وحسب، بل في الطوابق الأولى لمؤسسات الدولة ونخب الحكم.
هل الأردن بحاجة إلى حكومة جديدة؟
الجواب نعم، حكومة جديدة وبصيغة نوعية مختلفة وليس شرطا ان تكون من منتجات الانتخابات نفسها، وهذا استحقاق ضروري في مواجهة هزات قادمة في الإقليم وتحديدا من الضفة الغربية، مجالنا الحيوي "سياسيا" والذي نتعرض من خلاله لعواصف قوية من المواجهات لا يمكن بأي حال من الأحوال تخيل – مجرد تخيل- مواجهتها بأدوات سياسية تقليدية اعتدناها كمسلمات، تلك المسلمات ستنتهي قريبا جدا إلى متحف الذاكرة المنسية، وهذا يتطلب حكومة "بمعنى حكومة" قوية، وكل هذا "البؤس" في المشهد الداخلي أساسه صرخة عميقة – لم تعد مكتومة- من الناس بحثا عن صوت قوي وصورة قوية تحترمها ولا تخافها، وتشعر أنها منها وتملك جرأة لاتخاذ القرار لا تتلقفه وحسب، حكومة تجتهد بالرأي من ذاتها في مواجهة شرسة وقوية قادمة تستهدف الأردن بكله.
والقصة لا تقف عند حكومة جديدة وحسب، بل يجب ان تشمل تغييرات تتناسب والمفترض تغييره في واقع المشهد السياسي كاملا، وبدون ترحيل أو تسويف، وهو واقع جديد يتطلب إنتاج طبقة سياسية "انقرضت" في الفترة الماضية وما يجب ترحيله هم بهلوانات السيرك السياسي الذين لم يقدموا شيئا على أرض الواقع طوال خدمتهم في مختلف المواقع "مهما تقدمت تلك المواقع" غير تسكين الوضع الراهن، الذي لم يعد راهنا ولن يعود.
لن نتوقع الكثير في مخرجات الانتخابات القادمة، لكن الصدمة التي ستحدثها بعض المخرجات كافية للبناء عليها في المستقبل، وهو ما يتطلب روافع سياسية " وأكرر سياسية حقيقية لا تكنوقراطية أو بيروقراطية" قادرة على المضي إلى ما بعد تلك الخطوات الأولى الثقيلة والتخفيف من ثقلها.
لقد توغل الأردن والأردنيون طوال الفترة الماضية في متاهات أمام صراع مراكز قوى كل طرف فيه كان يدعي التقرب من الملك، وكل طرف يضع الملك في خطابه الرسمي، ليواجه به خصمه الذي من أدوات دفاعه صورة الملك. لقد وصل الأمر في حالات كثيرة طوال سنوات ماضية إلى أن حكومات الملك تحاربها مؤسسات الملك، وطاقم مكتب الملك يواجه مؤسسات أخرى تقول أنها تمشي بأوامر الملك، وعلى الرصيف المقابل لكل تلك المصفوفات المتناحرة، تبرز مصفوفة فوضوية من المعترضين والمنتقدين أصحاب الصوت المرتفع ومتسلقي الحراك وجنرالات البث المباشر وجهلة يحملون أجهزة ذكية وثوار فقاعات الفيسبوك وقد طرحوا أنفسهم معارضة ضد الملك، بينما في الشارع الذي يفصل الرصيفين، يقف شباب أردني "من كل الأصول والمستويات" غاضب وحانق ومقهور، ويتحدث بوعي عن رؤية طموحة لدولة مؤسسات، ويا للمفارقة الأكبر: رؤيتهم هي بالضبط نفس الرؤية التي يتحدث ويكتب عنها الملك.
وما تحدث عنه الملك وكتبه اليوم صار احتمالا للتغيير يقدمه ويشرف عليه الملك نفسه، ومن الملك أقتبس القفلة وأقول: هي فرصتنا الأخيرة.