لم اكن أريد الكتابة عن هذا الموضوع تحديدا،لكني وجدت نفسي سيقت ليه انسياقا على الرغم مني.لا،نعم حرفا جواب،جميعنا نعلم ذلك،لا تعني الرفض وعدم القبول ما يتنافى والمصلحة خاصها وعامها،إما نعم فتعني الإيجاب والموافقة مع ما يتماشى والمصلحة.فلسفة الحياة برمتها خيرها شرها،حلوها مرها،أبيضها أسودها،طولها وعرضها،حلمها واقعها،تندرج في إطار معادلة\"لا او نعم\".
هذا عين المنطق الحاصل اليوم مع الناشط السياسي سفيان التل والكاتب الصحفي موفق محادين،عندما أدليا بدلوهما في نقاش فضائي تناول مشروعية ونجاعة التواجد الأردني في افغانستان.هذه الاراء جاءت وفق قاعدة حرية الراي،فهل يصح عقابهم جراء فكرة قابلة للنقاش،خصوصا بعدما تم تطوير الأسلوب المتبع في قتل الكلمات واغتصاب الأصوات المعارضة وفق المنهجية الكسنجريه\"خطوة خطوة\"وخطة \"اطعم الفم تستحي العين\"بأسلوب مطور يقوم على حفر الحفرة ومن ثم انتظار الهدف ان لم يكن استدراجه للوقوع فيها،هذا ما حصل مع سفيان التل وموفق محادين. كما إنني لا أجد خطوط واضحة المعالم للمعارضة حتى وان وجدت فهي فردية لا جماعية متفرقة لا منظمة تحكمها شروط وقواعد وقوانين،الموجود خلاف في الراي لا معارضة للراي،إي الاختلاف على الوسائل والاساليب لا الاختلاف على القضية الاساس.
محادين والتل طرحا وجهة نظر لا تحمل إلا جواب من اثنين،احدهما نعم والاخر لا،فان كان تصرف الدولة يصب في مصلحتنا،في المنظور القريب والبعيد ،وغير ذي اثر على الوطن ومنجزة وتاريخه فان هذا يتوافق مع نعم،إما ان كان ذو اثر على الوطن فأن هذا يضغط علينا للقول وبمنتهى الصراحة لا...والف لا ولا ولا...رضي من رضي وغضب من غضب.الوطن يا اخواننا في كل مكان اسمى من احكام جلاديه،الوطن باقي هو الذي نحميه نحفظه ومستقبلة للأجيال القادمة،ونقطع رأس ويد ورجل ولسان كل من يحاول ان يتطاول عليه،فنحن ذاهبون،هو ثابت،نحن متغير،فهل نضحي بالثابت من اجل المتغير.
لم يختلف الحاضر عن جاهلية القرون الوسطى التي وسمت طبيعة الإنسان،بواسطة استخدام اساليب التطرف العقلي مع كل معارض لنهج الدولة،اليوم يعاد ابتعاث هذه الاساليب من ركام الماضي وفق منهجية التضييق على ألافكار من خلال قمع الافراد،يعاقب على أثرها صاحب الطرح إما بالسجن او بالاقصاء او الاتهام،النتيجة واحدة في كلتا الحالتين،قتل الإنسان وآراءه باسم الديمقراطية الكسيحة.
كنت اتمنى ان تقوم مؤسسة المتقاعدين العسكريين مع كبير الاحترام والتقدير لها،ان تقوم بالرد على التهديدات المتصلة منذ سنوات الموجة الى الجسد والتاريخ الأردني،من قبل مؤسسة وشركة الاحتلال الصهيوني التي ما فتئت تطلق الاتهامات والشتائم والإساءات لكل ما يمثله الأردن دون ان تلقى إي رد منا للأسف،كم كنت اتمنى ان تقوم مؤسسة المتقاعدين العسكريين برفع دعوى قضائية على اولمرت وبيريز وباراك ونتن ياهو وليفني وغيرهم وغيرهم،لتعمل على منعهم من دخول الأراضي الأردنية ،ومن ثم ملاحقتهم قضائيا في كل مكان. لا ان تقوم المؤسسة المتقاعدين بتوجه فوهات بنادقها واتهاماتها صوب صدور أبناء هذا الوطن الاحرار الشرفاء، الحريصون على سلامة الوطن الذي نحب ونعشق حتى وان اختلفت الاراء وذلك باعتبارهما يصبان في بوتقة الوطن كل الوطن.
اقول ان الذي يريد توجيه الاتهام لسفيان التل وموفق محادين من خلال اتهامهما بالاساءه لقواتنا المسلحة الباسلة هو في حقيقة الامر يريد اصابة هذه القوات في مقتل بواسطة جعلها كبش فداء يتم التضحية به في المحرقة،للتغطية على امور اكبر من الذي تحدث به التل ومحادين،في وقت نرفع به اصواتنا مطالبين تقوية الجبهة الداخلية في شتى مواقعها لضمان امن واستقرار البلد انطلاقا من اشواس قواتنا المسلحة الباسلة.
التضييق على المواطن اينما وجد سمه بارزه تطبع تصرفات الدولة،فهل مطلوب ان\"نبصم\"بالعشرة\"على اعمال الدولة باعتبارنا أميين،هل مطلوب تغييب العقل الناقد لدينا،فهي\"الدولة\"على حق دوماً،ونحن على خطا دوماً،حتى ان تمخض عن هذا صبغ الدولة بلون واحد. المشكل في الطرح الذي طرحة سفيان التل وموفق محادين،هو ان الدولة خالطها الشك اثناء التشخيص الداء،فتم اعتبار التواجد الأردني في افغانستان عامل مسبب،حقيقة واقعة يراد حماية الداخل بواسطتها لضرب الخارج،لكن الحقيقة المغيبة تقول بغير ذلك،كون هذا السبب يبتعد عن استار اعراض الداء،اذن الخلاف بين طرفي المعادلة يتمحور حول ان البعض يبحث عن الداء الدواء والاخر يبحث عن دواء لكنه عاجز عن تشخيص الداء،فكيف يتم حماية داخل الأردن من خلال ضرب عمق افغانسان،في حين ظهري مكشوف وعاري لاسرائيل.
الدولة الأردنية مصابة بفوبيا الرعب،انعكس على شكلها وملامحها وبدلا من إيجاد حلول مدروسة للتخلص من هذا الخوف،قيدت حرية ابناءها في سلاسل وبدلا من ان تكحلها عمتها على رأي المثل الشعبي\"لماذا بات المواطن يشعر بغربة شديدة قاتلة في وطنه،الذي يحب الذي يهوى،هل تحول ابناءنا الى اعداء بنظر الدولة،هل انحرفت البوصلة فاضحينا لا نميز بين هذا وذلك،ما فائدة الديمقراطية ان زهدت بها دولتنا فيها.
لا........قالها التل وقالها محادين،لا للتواجد الأردني في افغانستان،ما العيب في ذلك،ما الضير،هل من المنطق بشي ان يتم تقديم شكوى بحقهم وترك من يهدد امن البلاد والعباد من اعدائنا التاريخيين،كيف يصح ان نقدمهم الى المحاكمة في حين رفضت مؤسساتنا اليوم كما السابق الرد ولو في مشروع واحد على تهديدات الكيان الصهيوني.
هل مطلوب منا نحن الشعب المقموع تحت التنكيل والتفقير والتخدير ان نوافق الدولة كما الطبلة على الوحدة ونص،في ساعات الصحو وجنون السكر،هل مطلوب منا ان نختم لها بالعشرة على \"الفاضي والمليان\"هل مطلوب مجاملتها وشكرها على تصرفها الجيد،حتى ولو كان غير ذلك. هل مطلوب استبدال اجابة لا بنعم لترضى وتتركنا نعيش بسلام،هل مطلوب ان نتركه لهم بما حمل من ذكرياتنا وآهاتنا وحبات عرقنا،ان كان المطلوب منا هذا والحكي للجميع \"ولا تهونوا\"فالزمن لكم والاموال والسيارات والعقارات كل شي لكم،إما نحن فلنا التاريخ،الذي سيزرعنا كما الاشجار التي تنشب اضفارها وظفائرها بالارض وفق المنطق الوطني البحت.
كم كنت ارغب ان يتم النظر الى القضية بعين حيادية لا تقوم على التطبيل والتزمير والزعيق وبمعاونة بعض الاقلام التي شرعت هذا التواجد وزينت صورته،مع أنها ــ إي صورته ــ مشوهة ومختلطة الالوان من أساسها وفكرتها باطله، يستحيل ان يصدق العقل وجود تهديد للاردن \"الكيان والدولة\" من الشرق في افغانستان وغيابة عن الغرب من إسرائيل.كيف لنا ان نستوعب الصورة ان كانت مجهضة من أساسها،طبعا هذا لا ينفي وجود تهديد يتربص بنا.
يا رب ..اليس لنا عقول وافئده تعلم الخطا من الصواب وتميز بين الصورتين،هل نحن حيوانات لا تفقه إلا لغة الامر والطاعة والمسير والشعير والطحين،هل نحن مجرد ارقام لا تحمل معنى للاعراب،هل مكتوب علينا ان نعيش ابد الدهر حروفا لا محل لها من الاعراب،هل يتوجب علينا ان نبقى مفعول به على فراش المفعول لاجلة\"الدولة\"هل يعقل ان نبقى ضميرا مستتراً خوفا من سوط الدولة.
آه يا وطناً للاحرار اضحينا فيه عبيدا للدولار،أه يا وطن الشهداء من باب العمود الى كرامة الرجال اصبحنا فيه اغراب،آه يا وطن صار فيه اللص الصورة وصرنا الاطار،أه يا وطني المخنوق في القلوب،في الكلمات،في الاعماق،في الاشجار والاغصان،في الينابيع،في بطون الكتب في الشوارع في المدن والقرى والبوادي،آه يا وطن بيع باخس الاثمان لشركات على بابا والاربعين حرامي الافذاذ.
الله يرحمنا برحمته ...وسلام على أردننا ورجالاته وجيشنا ومرتباته ورحمة من الله وبركاته.