حرصت في المواسم الانتخابية بعد 2020 على أداء واجبي وممارسة حقي في الاقتراع مبكرا. من الولايات الأولى في الانتفاع من هذه الميزة أمريكيا ولاية فيرجينيا، وقد أدليت بصوتي صباح الجمعة بحسب توقيت الساحل الشرقي، فيما كانت الأنباء تتوالى من الشرق الأوسط حول يوم آخر من تداعيات حرب السابع من اكتوبر، تحديدا عبر جبهتها الشمالية، لبنان.
القاسم المشترك بين الحدثين هو الأمن، الأول انتخابي والثاني سيبراني، وكلاهما كل لا يتجزأ للأمن الوطني في أي جزء من العالم. عزمت كثيرا ومنذ أشهر على تكريس مقالة واحدة تجمع هذه الملفين لترابطهما، وهذه المرة اجتهد باغتنام الفرصة لما فيها من رسائل تعنينا كأسر ومجتمعات قبل الحكومات والدول أو ما دونها من تشكيلات تنظيمية حزبية أو فصائلية أيا كانت قضيتها أو منطلقاتها وتوجهاتها.
الأمن بسيط ومركّب في آن واحد، وإن تعددت ركائزه وميادينه ومدياته وأوجهه. البعض روج في بعض الأحداث -هنا و هناك- لمقولة الأمن الناعم مقابل الأمن الخشن. لكنه في جوهره واحد. الأمن لا يعني مجرد غياب ما يهدده، ولا هو أيضا يتحقق بتوفر ما يعززه فقط، الأمن وأعظم منه الأمان هو الطمأنينة اليقينية، هو في الأصل السلام، وتلك صفة واسم من أسمائه سبحانه، رب الأرباب، رب العالمين أجمعين.
وعليه، فإن البداية والنهاية ما زالت في ثلاثية العقل والوجدان واللسان. الصحافة والإعلام، الاتصال والتواصل هو النور والنار القادر على تشكيل العقل والوجدان معا، فرديا ومجتمعيا ومؤسساتيا، الأمر الذي يترتب على الكلمة والصوت والصورة والمؤثرات المرافقة لها أمانة جليلة عظيمة.
بموضوعية وتجرد، من أراد أمنا حقيقيا عميقا شاملا عليه أن يبدأ من الأسرة ومن ثم المدرسة وبعدها المؤسسات الروحية والتربوية التعليمية. صحيح أن للأمن الانتخابي والسيبراني تداخلا صار يشكل أرقا على المستوى العالمي، لكن من يضمن عدم تعرض أي منهما للاختراق ليس خبراء الحوسبة ولا خبراء الأمن، بل الأسرة النووية والممتدة، النواة الحقيقية للمجتمع الحي.
يظن البعض -لمحدودية الاطلاع أو الأفق- وكلنا في محراب العلم من المهد إلى اللحد، يظنون أن الأسرة الممتدة أو العشائرية أمر مناقض لحرية الفرد أو تشييد دولة المواطنة والقانون. لكن كثيرا من التجارب في أعرق ديموقراطيات العالم وأقواها، بدأت بمراجعة الآثار الجانبية المدمرة للأنا الفردية «النرجسية» إلى حد الأنانية، والإقرار بأن الأمن والتقدم والحضارة ما زال كما أراده خالق الخلق بنيانا مرصوصا نواته الأسرة: أب واحد وأم واحدة تحب لأخيها ولجارها ما تحبه لنفسها. فلا تسرق صوته ولا تخرق خصوصيته، لا واقعيا ولا افتراضيا.
اللهم أمنا وأمانا وسلاما..