خطاب هو الأهم والأقوى والأعمق، والأجرأ، والأكثر مواجهة لإجرام الاحتلال، خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في دورتها التاسعة والسبعين، خطاب يصعب وصفه أو اختصاره رافقه لغة الجسد من جلالة الملك تحكي غضبته من كل ما يحدث في غزة وفلسطين والقدس والمنطقة العربية.
غضبة الملك أمام أكثر المحافل أهمية على مستوى دولي، نقلها جلالته بالكلمة والإصرار ولغة الجسد للعالم، بعمق سياسي وإنساني لم تشهده المرحلة، وبحسم حازم أن إسرائيل تجاوزت الممكن والمعقول، والمقبول، حتى أضاعت كل ركائز الإنسانية والسلام والعمل الإغاثي، وحقوق الإنسان، وجعلت من كل شيء انتقائيا، ووزعت هذه المبادئ والمعايير على بعض الشعوب التي هي فوق القانون.
الملك عبدالله غاضب، حقيقة نقلها خطاب جلالته الناري أمام الأمم المتحدة، واضعا جلالته الأمم المتحدة والعالم أمام مسؤولياتهم بكل وضوح، بتأكيد على أن إسرائيل تتجاوز الخط الأحمر تلو الآخر، وفي ذلك رسالة تدعو ليقظة عملية وسريعة، وبكل شفافية قال جلالته «بعد مضي عام تقريبا على هذه الحرب، أثبت عالمنا فشله سياسيا، ولكن هذا لا يستوجب أن تخذل إنسانيتنا أهل غزة بعد الآن». عظمة القول وعبقرية الطرح، وجرأة الموقف، الموقف الأقوى منذ أشهر وقوفا بصف الأهل في غزة، ودعمهم أمام أكبر المحافل الدولية، ودعم حقهم، بل وحمايته وصونه.
اختارت إسرائيل مزيدا من العزلة لنفسها، وباتت الكثير من دول العالم تراها على حقيقتها، ويرونها «بعيون ضحاياها» وفقا لجلالته، فقد كشفت نفسها بنفسها بعد هذه الحرب على غزة، التي تعدّ الأعنف والأخطر، ولكن كما قال جلالته يجب ألا تخذل إنسانيتنا أهل غزة، في السعي نحو تحقيق السلام وأن تعيش الشعوب حياة آمنة بعيدا عن الحروب، فلا بد من تحقيق السلام العادل المبني على القانون الدولي والحقوق المتساوية.
وفي رسالة، دعا جلالته العالم إلى الانضمام للأردن لإيصال المساعدات للأهل في غزة، بفرض بوابة دولية للمساعدات وقال جلالته «أدعو جميع الدول للانضمام إلى الأردن في فرض بوابة دولية للمساعدات الإنسانية إلى غزة، كجهد إغاثي ضخم لإيصال الغذاء والمياه النظيفة والدواء وغيرها من الإمدادات الحيوية لمن هم في أمس الحاجة إليها. يجب ألا تكون المساعدات الإنسانية أداة حرب أبدا»، ومن سيضع يده بيد الأردن سينتصر للحق الفلسطيني، وينقذ شعبا جعلته الحرب يحتاج كل مقومات الحياة ومستلزماتها، والأردن ماض ولن يتوقف بهذا الدرب.
وقوف عظيم على كافة تفاصيل المشهد، بدءا من السابع من تشرين الأول 2023، وما شهدته غزة من حرب إبادة وكوارث نتيجة الحرب الإسرائيلية، والواقع الأليم للأهل في غزة، والأسرى، والمجاعة والأمراض، واستهداف موظفي المؤسسات المعنية بالعمل الإنساني، وإيصال المساعدات، واستهداف الأطفال، وغيرها من تفاصيل وضعها جلالة الملك بكل وضوح أمام العالم، ليس هذا فحسب إنما بغضب بدا على ملامح جلالته وحسم بأن عالمنا أثبت فشله سياسيا.
وفي الكلمة الحسم، رفض جلالة الملك أن يُترك للأجيال القادمة مستقبل يحكمه «الاستسلام» هذه هي القوة النادرة والعظيمة يا سيدي، يجهلها الكثيرون، فالاستسلام لم يُخلق للعظماء يا سيد الانتصارات، فهو إرثك يا سيدي الذي تفخر به، وتبني عليه، داعيا المجتمع الدولي إلى التحلي بالشجاعة، حيث قال جلالته «أستذكر كلمات والدي قبل 64 عاما في الدورة الخامسة عشرة للهيئة العامة: «أدعو الله أن يتحلى مجتمع الأمم هذا بالشجاعة لاتخاذ القرار بحكمة وجرأة، وأن يتخذ الإجراءات العاجلة بالحزم الذي تتطلبه هذه الأزمة، والذي تمليه علينا ضمائرنا». لقد كان والدي رجلا قاتل من أجل السلام إلى آخر رمق، ومثل والدي تماما، فإنني أرفض أن أترك لأبنائي أو لأبنائكم مستقبلا يحكمه الاستسلام». عظيم القول والفعل يا سيدي، وخطاب بحجم ما يحتاجه العالم من استنارة للدرب وحلول للأزمات.