تشهد إسرائيل حاليًا أزمة اقتصادية خانقة، مع تدهور سريع في المؤشرات الاقتصادية المختلفة، وسط حالة من الإنكار الرسمي من حكومة نتنياهو ، على الرغم من انخفاض تصنيف الاقتصاد الائتماني إلى مستويات طاردة للاستثمارات وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، ويأتي هذا بالتزامن مع انخفاض غير مسبوق في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدلات التضخم، وتزايد العجز المالي ، وهذه الظروف الاقتصادية القاسية تقود إسرائيل نحو ركود محتمل، يهدد بتفكيك قطاعات رئيسية مثل التكنولوجيا الفائقة، مع هجرة استثمارات واسعة النطاق، وجمود في القطاع السياحي ، وتداعيات خفض التصنيف الائتماني ، وفي أحدث إشارة إلى حجم الأزمة، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لإسرائيل، مما تسبب في قلق واسع النطاق بين المستثمرين المحليين والدوليين ، ورغم مسارعة نتنياهو إلى إلقاء اللوم على الحرب المتعددة الجبهات التي تخوضها إسرائيل، إلا أن الخبراء الاقتصاديين والمحللين يرون أن جذور الأزمة أعمق بكثير من تأثيرات الحرب ، فالسياسات الاقتصادية التي تبناها نتنياهو وفريقه قد أسهمت بشكل كبير في تفاقم الأزمة، حيث كان الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من هشاشة ملحوظة قبل اندلاع الصراع الأخير في غزة.
والاحتجاجات والانتقادات تزايدت ضد الحكومة، ومع استمرار التصريحات الرسمية التي تقلل من حجم الأزمة، يتزايد السخط الشعبي ، ويرى المحللون أن "مخاطر إسرائيل في الأسواق" قد وصلت إلى مستويات تتجاوز بكثير ما تعكسه تصنيفات وكالات الائتمان، مما يضع البلاد على مسار اقتصادي محفوف بالمخاطر ، وتضخم وعجز مالي غير مسبوقين ، وبلغ العجز المالي المتوقع بنهاية عام 2024 م " 7.8% " من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم ينذر بكارثة اقتصادية في ظل تصاعد ديون اسرائيل ، بينما تفيد بيانات وزارة الخزانة بأن العجز الحكومي في منتصف العام قد وصل إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يعادل 155 مليار شيكل ، أي (41.8 مليار دولار)، وهو أحد أعلى المعدلات في تاريخ إسرائيل ، و الحكومة الإسرائيلية، التي طالما كانت تتباهى بسياساتها المالية، وجدت نفسها عاجزة عن السيطرة على تزايد الديون والعجز، ما دفع وكالة فيتش إلى اتخاذ قرار خفض التصنيف ، إذ لا تقتصر تداعيات هذا الخفض على الاستثمار في سندات الحكومة الإسرائيلية فحسب، بل تمتد إلى سندات الشركات، مما يعني أن الاقتصاد برمته مهدد بخسائر كبيرة في الاستثمارات الأجنبية ، ما ينذر بركود اقتصادي ، سيما وأن الأرقام تروي قصة الانهيار ، وقد
أشارت البيانات الاقتصادية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي انكمش في الربع الثاني من عام 2024 م ، حيث سجل نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.2% فقط على أساس سنوي، مع تراجع في نصيب الفرد من الناتج بنسبة 0.4% ، و هذه الأرقام تؤكد حجم الضرر الذي لحق بالاقتصاد بفعل الأزمات المتعددة، التي تسببت في تقليص الاستثمارات والاستهلاك المحلي ، إضافة لذلك التقارير تشير إلى أن إسرائيل ستواجه صعوبة في جمع الأموال من المستثمرين الدوليين والمحليين خلال المرحلة المقبلة، ما سيجبر الحكومة على رفع الضرائب بشكل حاد وخفض الإنفاق بشكل كبير، وهو ما قد يضع نتنياهو في موقف حرج، لا سيما مع اقتراب الانتخابات ، فضلاً عن أن قطاع التكنولوجيا الفائقة ينهار ، ويشكل قطاع التكنولوجيا الفائقة أحد أهم أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن هذا القطاع لم يسلم من الأزمة ، و وفقًا لتقديرات شركة CofaceBDI، من المتوقع أن تشهد إسرائيل إغلاق نحو 60 ألف شركة في هذا العام 2024 م ، معظمها في قطاع التكنولوجيا الفائقة ، وتأتي هذه الأرقام في ظل انهيار واسع النطاق للشركات بفعل تراجع الاستثمارات ونقص السيولة المالية ، والتسريحات الكبيرة في قطاع التكنولوجيا ليست مجرد إشارة على تراجع الاقتصاد، بل تمثل تهديدًا حقيقيًا لبنية الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعتمد بشكل كبير على هذا القطاع كمحرك رئيسي للنمو والتقدم التكنولوجي ، ومع هروب المستثمرين وتراجع القدرة على جذب رؤوس الأموال، فإن إسرائيل تواجه خطر فقدان أحد أهم مواردها الاقتصادية ، في ظل تداعيات مستقبلية ، و ما بعد الحرب على غزة ولبنان ، حيث لا يمكن فصل الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية عن التأثيرات الجيوسياسية، فالحرب على غزة ولبنان تلقي بظلال ثقيلة على المشهد الاقتصادي ، فالعدوان العسكري على جبهتين ، إلى جانب الأزمة السياسية الداخلية، ساهم بشكل كبير في تعميق الفوضى المالية والاقتصادية ، ورغم محاولات الحكومة تحميل الحرب مسؤولية الأزمة، إلا أن الخبراء يجمعون على أن المشكلة أعمق بكثير من تداعيات الصراع العسكري ، و
في ظل هذه المعطيات، تبدو التوقعات الاقتصادية لإسرائيل قاتمة، حيث يتوقع الخبراء دخول البلاد في ركود عميق خلال السنوات القليلة المقبلة، مع تصاعد العجز وتراجع النمو ، وسيكون على الحكومة اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالسياسات المالية والضريبية، في وقت تعاني فيه من ضعف الثقة بين الجمهور والمستثمرين على حد سواء ، كل ذلك يجعل المستقبل المجهول ، حيث ان الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إسرائيل ليست مجرد أزمة عابرة، بل هي نتيجة تراكمات طويلة من السياسات الخاطئة والظروف الجيوسياسية الصعبة ، ومع استمرار الحكومة في إنكار الحقائق ومحاولة التهرب من المسؤولية، فإن البلاد تقف على حافة ركود اقتصادي قد يغير معالم اقتصادها بالكامل ، والمستثمرون يفقدون الثقة، والشركات تغلق أبوابها، والقطاع السياحي يشهد جمودًا، كل ذلك ينبئ بأن إسرائيل أمام مرحلة اقتصادية حرجة جدًا، ستحتاج إلى سياسات جذرية وإصلاحات شاملة إذا ما أرادت الخروج من هذه الأزمة غير المسبوقة ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .