تدخل الحرب الإقليمية بين إيران وإسرائيل مرحلة جديدة تتسم بتعقيد أكبر وأبعاد استراتيجية تتجاوز الصراع العسكري التقليدي، لم تعد تطورات الصراع بين البلدين مجرد تجاذب عسكري على الأرض، بل أصبحت حربًا على النفوذ والمصالح الجيوسياسية التي تشمل مناطق واسعة من الشرق الأوسط، مع تأثيرات على الساحة الدولية أيضًا.
الصراع الإيراني الإسرائيلي هو امتداد لعقود من العداء المستمر. تنظر إسرائيل إلى إيران باعتبارها التهديد الأكبر لأمنها القومي، نظرًا لسعي إيران المستمر لتطوير قدراتها النووية ودعمها لحركات المقاومة المناوئة لإسرائيل، مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة. من جهة أخرى، ترى إيران أن إسرائيل تمثل العدو الأكبر لها في المنطقة، وتعتبر أي تقارب إسرائيلي مع دول الجوار تهديدًا مباشرًا لأمنها واستقرارها.
على الرغم من أن النزاع العسكري التقليدي لا يزال يسيطر على المشهد، إلا أن الملف النووي الإيراني يظل العامل الأكثر تهديدًا لاستقرار المنطقة. في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، تصر إسرائيل على أن إيران ماضية قدمًا نحو إنتاج سلاح نووي. هذه المخاوف دفعت تل أبيب إلى تكثيف عملياتها الاستخباراتية لإحباط أي تقدم إيراني في هذا المجال.
الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على إسرائيل أدت إلى تصاعد حاد في التوترات الإقليمية. هذا التصعيد العسكري زاد من حالة القلق بين الدول المجاورة، حيث تخشى العديد من الدول من أن تتحول هذه الاشتباكات إلى حرب شاملة. كما أن هذه الهجمات دفعت الولايات المتحدة وحلفائها إلى تعزيز وجودهم العسكري في المنطقة، مما يزيد من احتمالات حدوث مواجهات مباشرة بين القوى الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، أثرت هذه التطورات على الأسواق العالمية، حيث شهدت أسعار النفط ارتفاعًا نتيجة المخاوف من تعطل الإمدادات بعد تلميحات الجنرالات الإسرائيليين عن احتمالية استهداف منشآت الطاقة الرئيسية لإيران.
الدور الدولي في هذا الصراع معقد بقدر تعقيد الأطراف المتورطة فيه. الولايات المتحدة، التي تعتبر الحليف الأكبر لإسرائيل، تجد نفسها في موقف حرج؛ فبينما تقدم الدعم الدبلوماسي والعسكري لإسرائيل، تحاول إدارة بايدن تجنب انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة قد تؤثر على المصالح الأمريكية في الخليج العربي وتهدد استقرار السوق العالمية.
في المقابل، تحظى إيران بدعم محدود من روسيا والصين، اللتين تسعيان إلى استغلال الصراع لتعزيز مواقعهم الاستراتيجية في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تحاول دول أوروبية عديدة الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، خوفًا من تداعيات انهيار كامل للاتفاقية.
الأوضاع الحالية تتجاوز المواجهة العسكرية التقليدية، لتصبح صراعًا على النفوذ الإقليمي والتحالفات الدولية، وبينما يسعى كل طرف لتحقيق مكاسب استراتيجية على حساب الآخر، يبقى التوازن الهش في المنطقة قابلاً للانفجار في أي لحظة.
السؤال الأهم يبقى: هل سنشهد مواجهة شاملة بين إيران وإسرائيل؟ أم أن الصراع سيظل محتدمًا في إطار العمليات العسكرية المحدودة والحروب بالوكالة؟ في كلتا الحالتين، يبدو أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب تغيرات جذرية قد تعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة لعقود قادمة.