إن خطة نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية ليست بجديدة، بل هي امتداد لرؤية إسرائيلية قديمة تمضي بآليات جديدة ، و يستهدف نتنياهو من خلال رؤيته بناء "شرق أوسط جديد" تكون فيه إسرائيل القوة المهيمنة، مع طمس أي وجود سياسي مستقل للفلسطينيين ، وقد حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إعادة تشكيل المنطقة بطرق متنوعة، منها التدخلات العسكرية والحروب الناعمة ، إلا أنها لم تحقق شيئا ، ولكن نتنياهو يرى فرصة لتجديد هذا المشروع، وهذه المرة تحت راية إسرائيلية مباشرة ، فمنذ توليه السلطة، يسعى نتنياهو إلى تغيير الواقع على الأرض ، وقد استغل التحولات الإقليمية والدولية لبناء تحالفات جديدة، بدءًا من اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية وصولًا إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ، ورغم المحاولات السابقة لتقويض القضية الفلسطينية، فإن نتنياهو يرى في هذه اللحظة فرصة ذهبية لتصفية هذه القضية بشكل نهائي ، ويتمظهر ذلك من خلال نظرته إلى طوفان الأقصى ، زلزال المقاومة الفلسطينية ، فعلى الرغم مما شكلت عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023 صدمة كبيرة لإسرائيل ، هزت أركان إسرائيلي، ورفعت سقف التحدي في الصراع ، لكن في ذات الوقت، رأى نتنياهو في هذه اللحظة فرصة لتعزيز هيمنته الإقليمية ، فمن وجهة نظره، إذا لم تؤدِّ هذه الحرب إلى تغيير جذري في الموقف الدولي أو العربي، فإن اللحظة مناسبة لفرض حلول نهائية ،
وقد كانت عمليات المقاومة الفلسطينية في تلك المرحلة بمثابة تحدٍ مباشر لخطط نتنياهو ، فهي لم تعد مجرد صراع عسكري، بل أصبحت معركة استراتيجية على الهوية والمستقبل ، ومن هنا، يعزز نتنياهو من جهوده العسكرية على الأرض في محاولة لتصفية المقاومة، خصوصًا في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولبنان وكامل محور المقاومة ، وكانت البداية في تطبيع العلاقات العربية ، لضمانة جسور الهيمنة الإقليمية ، حيث
يرى نتنياهو أن التطبيع مع الدول العربية يمثل جسرًا لتحقيق الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة ، وقد بدأت هذه العملية فعليًا مع "الاتفاقيات الإبراهيمية"، التي كانت خطوة نحو بناء تحالفات إقليمية تهدف إلى تجاوز الفلسطينيين كعقبة أمام العلاقات العربية-الإسرائيلية ، حيث تجسدت هذه الخطوات مع سعي إسرائيل لتطبيع العلاقات مع العرب ، وهي خطوة يرى فيها نتنياهو بوابة لهيمنة أوسع في الشرق الأوسط ، وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78، عرض نتنياهو خريطة جديدة للشرق الأوسط تستبعد وجود دولة فلسطينية، مستندًا إلى التطبيع مع الدول العربية كأساس لهذه الرؤية ، وهذا يؤكد على الهدف الأوسع لنتنياهو ، تحقيق شرق أوسط جديد لا مكان فيه للفلسطينيين ككيان سياسي ، و
الولايات المتحدة وإسرائيل ضمن هذا السياق في شراكة استراتيجية لتحقيق الطموحات ، والتي لطالما اعتمد نتنياهو علىيها ، وعلى الدعم الأمريكي لتحقيق أهدافه الإقليمية ، وقد شهدت فترته مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطوات استراتيجية مهمة مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتوقيع اتفاقيات التطبيع ، لكن مع الإدارة الديمقراطية الحالية بقيادة جو بايدن، التي تسعى إلى تقليل الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط، يحاول نتنياهو ملء الفراغ بقيادة إقليمية تمثل مصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة ، لهذا تجدنا نطرح هذا الموضوع وفي هذا الوقت بالذات للوعي بمآلات الصراع في المعركة الوجودية ، ولعل
ما يجري اليوم في الشرق الأوسط ليس مجرد صراع سياسي تقليدي، بل هو معركة وجودية ، إنها معركة على الهوية والكرامة، حيث تسعى إسرائيل بقيادة نتنياهو إلى تأسيس شرق أوسط جديد يتجاهل حقوق الفلسطينيين ، ومع ذلك، فإن محور المقاومة أثبت قدرته على إحداث تغيير استراتيجي على الأرض، مما يعقد خطط نتنياهو ويعرقل تحقيق أحلامه ، ويبقى مستقبل القضية الفلسطينية ، في ظل معركة لم تنتهِ بعد ، بل هي في أوجها، وعلى كافة الجبهات ، وما سيحدث في الأشهر والسنوات المقبلة سيحدد مستقبل المنطقة والقضية الفلسطينية ، و قد تكون الرؤية الإسرائيلية واضحة نحو تصفية القضية الفلسطينية، لكن المقاومة عموماً تظل العقبة الرئيسية أمام تحقيق هذا الهدف ، وما ستؤول إليه الأحداث في المستقبل سيكون له تأثير عميق على شكل المنطقة برمتها، وعلى مصير الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يصارع من أجل حقوقه وأرضه ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .