يحتاج هذا المكوّن الذي صار اليوم طرفا في الصراع والحرب بين المقاومة والإحتلال الصهيوني إلى تفكيك بنيوي أولا وتفكيك وظيفي ثانيا لفرز الأسطوري منه عن الحقيقي ومعرفة خطورة هذه الكتيبة المقاتلة وأثرها على الوعي الجمعي العربي والإسلامي. الصهاينة العرب تسمية لا تستعملها المنصات العربية الرسمية، ولا تعترف بها الصحافة العربية "الرصينة" التي تعاني هي نفسها من هذا الورم المستعصي داخلها إن لم تكن هي نفسها حاملة لواءه و متبنية شعاراته.
إن القضية الفلسطينية لم تعد قضية إسلامية أو عربية فحسب بل هي اليوم قضية ذات بعد إنساني عالمي صرف بعد أن عمّت المظاهرات الداعمة لصمود شعب غزة جميع بقاع الأرض رفضا للظلم ونصرة لهذا الشعب الأعزل. لا يوجد اليوم ناشط أو فنان او إعلامي أو مفكّر أو سياسي، لم يحدد موقفه من الصراع في الأراضي المحتلة بين أصحاب الأرض من جهة والصهاينة المغتصبون من جهة أخرى. غزة اليوم هي آخر عناوين الصراع بين قوى الإحتلال العالمي بقيادة اميريكا وحلف شمال الأطلسي بكل إمكانياته العسكرية والسياسية والإعلامية من ناحية وشعب أعزل محاصر منذ عقود في بقعة صغيرة من الأرض.
نشأ مصطلح الصهاينة العرب لوصف كل من يدعم الإحتلال ويناصر المحتل على حساب شعب فلسطين سواء كان فلسطينيا أو عربيا أو مسلما أو غير ذلك.
إن الصهيوني العربي لا يحتاج أن يكون يهودي الديانة أو إسرائيلي الجنسية بل يكفي أن يكون عربيا معاديا للمقاومة أولا ولشعب فلسطين ثانيا وللحق التاريخي في التحرر من الإحتلال.
عرفت كل الشعوب المحتلة هذا النوع من النماذج الإجتماعية التي تقف مع المحتل الغازي ضد شعبها فالخونة والعملاء والوشاة هم من أطال عمر الإحتلال في ليبيا والعراق وسوريا وجميع الدول العربية.
أما في الحالة الفلسطينية فإن الصهيوني قد يكون فلسطينيا مثلما هو حال جماعة التنسيق الأمني في الضفة الغربية، حيث نجح المحتل بالتنسيق مع الولايات المتحدة في تحويل آلاف المواطنين الفلسطينيين إلى قوة إسناد أمنية للإحتلال. وهو نفس المنوال الذي رأيناه في وليبيا والعراق وسوريا وبعض الدول العربية حين كوّن الإحتلال كتائب من أهل البلاد للقتال إلى جانبه ضد إخوانهم مقابل إمتيازات مادية باهتة.
أما في الحالة العربية فإن الصهيونية تعني التحالف مع الإحتلال والدفاع عنه من الخارج لا من الداخل وهو ما عبرت عنه الأنظمة الرسمية المحاصرة لشعب فلسطين وقطاع غزة و الأنظمة المطبعة والمنبطحة. في الحالة الفلسطينية فإنّ الصهيونية العربية تكون رسمية وتكون شعبية من خلال النخب والأبواق التي لم تتوقف عن مهاجمة المقاومة دون التصريح بدعمها للإحتلال.
تبدو ظاهرة الصهيونية العربية ظاهرة طبيعية وفق تاريخ الشعوب ومعارك التحرر لكنها اليوم تمثل الوقود الذي يطيل عمر الإحتلال. الصهيونية العربية هي الوعي المزيف الذي يفتك بوعي المقاومة ويكسر الأعمدة التي تؤسس شرعية النضال لطرد المحتل ورفض الأمر الواقع رغم كل قوّته وبطشه. إن الرضى بمقولات الصهاينة العرب يعني الإستسلام للإحتلال، فكل جسد ترفض خلاياه مقاومة الأجسام الدخيلة والأمراض الطارئة فإنه محكوم بالموت المحقق.
الصهيونية العربية أخطر من الصهيونية اليهودية لأنها تتحرك داخل الجسد المحتل وتحاول إقناع خلاياه الحية بالإنتحار والموت وهو ما يجعل منها أخطر مكونات الطابور الخامس. إن مقاومة الصهيونية العربية مُقدم على محاربة الجيش الصهيوني نفسه فلولا الصهاينة العرب لهُزمت جيوشه منذ 1948 كما هزم جيشه الأسطوري هزيمة نكراء بالأمس في غزة.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي