في ضوء التوترات المستمرة في الشرق الأوسط، لا يمكن تجاهل أهمية الدور الذي تلعبه روسيا في هذه المنطقة، لا سيما من خلال علاقاتها الدفاعية ، فالمنافسة الجيوسياسية بين القوى العظمى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، تُبرز الشرق الأوسط كساحة استراتيجية لهذه المنافسة، حيث تسعى موسكو إلى تحقيق مكاسب نفوذ طويلة الأمد.
وفي ظل التصعيد المستمر بين إيران ووكلائها من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، تظل منطقة الشرق الأوسط ميدانًا حيويًا للتنافس الدولي ، وفي هذا السياق، يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه في خضم صراع وجودي مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، والشرق الأوسط يمثل إحدى الساحات التي يمكن لروسيا أن تعزز فيها نفوذها ، وجدير بالذكر أنه وقبل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثاني أهم سوق للأسلحة الروسية ، وتظل روسيا حتى اليوم أحد أكبر مصدري الأسلحة في العالم، على الرغم من التحديات الاقتصادية والعسكرية التي تواجهها بسبب العقوبات الغربية والغزو المطول لأوكرانيا ، سيما وأن هناك
ركائز للنفوذ الروسي في المنطقة ، ويقوم هذا الوجود الدفاعي الروسي في الشرق الأوسط على ثلاث ركائز رئيسية: مبيعات الأسلحة، الوصول إلى القواعد العسكرية، واستخدام القوات شبه العسكرية مثل "مجموعة فاغنر" التي أعيد تسميتها مؤخرًا بـ "أفريكا كوربس" ، و هذه الركائز تعكس استراتيجيات روسيا المتعددة لتعزيز نفوذها في المنطقة، حتى في ظل الضغوط العسكرية والاقتصادية التي تواجهها ، ومبيعات الأسلحة تبعاً لذلك تزداد ، حيث
تُظهر التقارير أن روسيا كانت مستمرة في تعزيز وجودها في سوق الأسلحة بالشرق الأوسط حتى وقت قريب ، فوفقًا لبيانات "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI)، انخفضت حصة روسيا من صادرات الأسلحة العالمية قبل غزو أوكرانيا، ولكن هذا الانخفاض لم ينعكس بوضوح على مبيعاتها للشرق الأوسط ، وكانت روسيا المورد الرئيسي للأسلحة لدول مثل الجزائر، حيث زودتها بأنظمة متقدمة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة مثل "سوخوي 57".
ومع ذلك، أدى غزو أوكرانيا إلى تحديات كبيرة أمام روسيا في الحفاظ على علاقاتها الدفاعية ، فالعقوبات الغربية التي فرضت عليها، وقيود التصدير، وحظر استخدام نظام "سويفت" للدفع الدولي، أجبرت موسكو على توجيه معظم إنتاجها العسكري نحو دعم قواتها في أوكرانيا، مما أثار قلق حلفائها في الشرق الأوسط ، وبعض الدول التي كانت تعتمد على الأسلحة الروسية بدأت تشعر بالقلق حول قدرة روسيا على الوفاء بالعقود القائمة، وخاصة بعد الخسائر العسكرية الكبيرة التي تعرضت لها في أوكرانيا ، فضلاً عن الأداء العسكري الروسي وتأثيره على سمعة الأسلحة
فعلى الرغم من تراجع الأداء العسكري الروسي في أوكرانيا، فإن الاهتمام بالأسلحة الروسية في الشرق الأوسط لم ينخفض بشكل حاد ، و يعود هذا إلى أن الأنظمة التي كان أداؤها ضعيفًا في أوكرانيا، مثل الدبابات والمركبات القتالية المدرعة، ليست من الصادرات الرئيسية إلى الشرق الأوسط ، و الأسلحة الروسية التي تظل مرغوبة تشمل الطائرات ومحركاتها والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي ، وعلى سبيل المثال، أدى استخدام إيران للطائرات بدون طيار ضد محطات النفط السعودية في بقيق في عام 2019، واستخدام الحوثيين للصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، إلى إبقاء الاهتمام بمنظومات الدفاع الجوي الروسية مرتفعًا في دول مثل السعودية والإمارات ، ومنذ عام 2023، زادت الضغوط على روسيا لاستعادة بعض الأنظمة الدفاعية التي صدّرتها إلى دول مثل مصر، مما يضع روسيا في موقف حساس للحفاظ على أسواقها الرئيسية في المنطقة ، عدا عن القواعد العسكرية والنفوذ الجيوسياسي ، وبالإضافة إلى مبيعات الأسلحة، تركز روسيا على توسيع وجودها العسكري من خلال القواعد العسكرية في مناطق استراتيجية ، وتحتفظ روسيا بالفعل بقواعد في سوريا، مثل قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية، وتستمر في السعي للوصول إلى قواعد أخرى مثل قاعدة بحرية في ليبيا، خاصة في طبرق ، و هذا النفوذ الجغرافي يتيح لروسيا التحكم في ممرات بحرية هامة، مثل قناة السويس والمحيط الهندي ،علاوة على ذلك، تسعى موسكو للحصول على وجود دائم في السودان عبر إنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، مما سيمكنها من الوصول المباشر إلى شبه الجزيرة العربية والقارة الأفريقية ، وهذا التوسع العسكري يعكس نية روسيا في الحفاظ على نفوذها الجيوسياسي في المنطقة بغض النظر عن التحديات الداخلية التي تواجهها ، أما عن
دور القوات شبه العسكرية
يظل استخدام روسيا للقوات شبه العسكرية أداة مركزية في تنفيذ أهدافها العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط ، على الرغم من الفوضى التي تسببت فيها "مجموعة فاغنر" بعد التمرد الفاشل الذي قاده حليف بوتين، يفغيني بريغوجين، وموته لاحقًا في حادث تحطم طائرة، فإن هذه القوات لا تزال تلعب دورًا حاسمًا ، و تمت إعادة تسمية المجموعة لتصبح "أفريكا كوربس"، ويبدو أن وزارة الدفاع الروسية استولت على عقود الأمن والنفط وتعدين الذهب التي كانت تديرها "فاغنر" في السابق، خاصة في أفريقيا ، وهذا التحول يعكس استراتيجية موسكو في استخدام وكلاء وقوات شبه عسكرية لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، بغض النظر عن الأزمات الداخلية التي تواجهها ، لهذا لا يمكن إغفال أهمية دور روسيا في الشرق الأوسط ، ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها في أوكرانيا وعلى الصعيد الدولي، تواصل روسيا تعزيز علاقاتها الدفاعية والتوسع في نفوذها الجيوسياسي من خلال مبيعات الأسلحة، القواعد العسكرية، واستخدام القوات شبه العسكرية ، وتبقى منطقة الشرق الأوسط ساحة مركزية للتنافس بين القوى العظمى، حيث تسعى موسكو لضمان حضور قوي يؤثر على التوازنات الجيوسياسية العالمية، مما يجعل روسيا لاعبًا لا يُستهان به في مستقبل المنطقة ... !! خادم الإنسانية.
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي