يكون حفل زفاف أحدهم فلا ترى إلا صخبا وضجيجا وازدحاما في مغالاة المباهاة. صحيح «وأما بنعمة ربك فحدّث»، لكنه أيضا صحيح ما تنزل في الذكر الحكيم بأن «لا تسرفوا»..
الإسراف في خدمة أي هدف إضاعة له. ولا تتضح الصورة إلا بنقيضها. ترى في المقابل حفل زفاف «بلدي أصلي» مئة بالمئة يقوم على ما تيسّر فالغاية هي الإشهار والاحتفاء والاحتفال بما أكدته الشرائع السماوية كافة بأن عقد القران ما هو إلا تعبير شرعي مدني في آن واحد لما هو أهم من وثيقة أو حفلة، ألا وهو «الميثاق العظيم» الذي لم يساوه شيء أو على الأصح والأدق لم يدانه شيء سوى ذلك «العهد» تلك «العروة الوثقى» التي أكرمنا بها الله بني البشر على اختلاف أدياننا وأعراقنا كمتميزين عن سوانا من خلقه في هذه «العلاقة» الروحية التفاعلية بينه سبحانه جلا وعلا وبيننا عندما يصير «أقرب إلينا من حبل الوتين» و «روحا قدسا» ساكنا عاملا ظاهرا في أعظم هياكل الدنيا والأكوان ألا وهو هذا الجسم البالي بعد سنين طالت أم قصرت.
أقف حائرا أمام كثير من المظاهر التي لا توصف إلا بهذه الكلمة. مظاهر وكثيرا ما تكون قشورا تسيء إلى الجوهر، إلى المحب والمحبوب. ماذا لو أسقطنا هذا الجدار الخفي فيما بيننا بالتواصل الحقيقي أو الالكتروني أو الافتراضي؟ ماذا لو جربنا أقرب الطرق، أقصرها، أسرعها، أكثرها أمانا وفاعلية، الطريق المستقيم. الطريق بمعنى الخط وبمعنى الصراط المستقيم إسلاميا والإيمان المستقيم مسيحيا كما لدى إخوتنا أحبتنا في الكنائس كافة وليس الرسولية فقط أو الأرثوذوكسية وحدها؟
كثيرا ما تضيع الرسالة وأحيانا الخبر نفسه أو الصورة عينها بفعل تلك المظاهر والقشور وقد سماها مسوقو مبيعات البرمجيات المرئية والسمعية بالمؤثرات «غرافيكس». سلسلة مطولة تكاد لا تنتهي من البرمجيات والتطبيقات والتحديثات وما يخص مكافحة فيروساتها ومكافحة مكافحتها!
ماذا لو عدنا سيرتنا الأولى؟ ماذا لو عاد الكلام من القلب إلى القلب وعلى «بساط أحمديّ»؟ ماذا لو أقررنا بحقيقة أن الناس في كل الدنيا تتحدث بشكل عفوي بلهجاتها المحكية دون حرج أحيانا من استخدام كلمة بالعربية الفصحى أو بلغة أجنبية، لغايات تدفق الاتصال وتفعيل التواصل لا لغايات الاستعراض المكشوف وأحيانا المفضوح والمنفّر؟
ماذا لو خففنا من عدد الأشرطة الإخبارية المتحركة والمؤثرات بلازمة وبغير لازمة. ويتبع ذلك تخفف من التكلف في الأزياء والاكسسوارات وحركات الدخول والخروج واليدين وتعبيرات الوجه في غير مكانها وانفعالات النبرة غير الطبيعية، المفتعلة.
كثير من الأفراح والأتراح يعظم فيها الأسر البساطة لأنها جوهر الأصالة والناس لا تحب إلا ما هو حقيقي، تحب وتثق فقط فيمن «يشبهها» حتى وإن انبهرت بالغريب «فرنجي برنجي» فذلك إلى حين. ولذلك تفاصيل كثيرة، ليس فقط ما لدى الشخص من رسالة مهما بلغت من الأهمية، بل وتفاصيل السامع والمسموع وما بينهما شكلا ومضمونا، حيثما كانت تلك التفاصيل غير حقيقية صار التواصل غير مقنع وبالتالي غير مؤثر، مما يعني هدر ملايين الدولارات كما فيما نرى مثلا بدعايات الحملات الانتخابية الأمريكية.
في زيارة عمل قبل أشهر لدولة شقيقة صديقة ضمن برامج الدبلوماسية العامة للخارجية الأمريكية، استمتعت وتشرفت بحوار إخوة من الإعلاميين والإعلامييات الذين تميزوا بأرقى معايير الأداء الإعلامي بشقيه التقليدي والمعاصر (نيو ميديا) متمسكين بالزي التقليدي لبلادهم واللهجة الوطنية المحلية أيضا.
ربما يأتينا يوم نستمتع به خاصة معشر الأردنيين الذين أضناهم الحنين في بلاد الغربة والهجرة، بشاشة أردنية وإذاعة أردنية ومنصات تواصل أردنية، تعرفها على الفور من أول لمحة، من أو همسة، ولا أحسبها إلا أحلى همسة..