القادم مجهول، وبوصلته غير مكترثة بأيّ من الاتجاهات التي نعرفها، متخبّطة، فما تشهده المرحلة من أحداث شتت الرؤية، واتجاهات بوصلة اليوم والغد، حرب دخلت عامها الثاني، وجرائم إسرائيلية لم تتوقف بل على العكس تزداد خطورة وإجراما غير آبهة بأي صوت ينادي بوقف الحرب، وحتى نكون مدركين الحقيقة فإن أكثر الأصوات تأثيرا على إسرائيل المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية تقف معها وتمدّها بالسلاح والعتاد، ما يجعل من أي رؤية للقادم ضبابية حدّ الجهل بتحديد معالمه .
تصرّ إسرائيل على البقاء في عُزلة عن العالم الباحث عن السلام، بجرائم تؤكد على أنه كيان لا يعير لأي صوت إيجابي اهتماما، يمضي في حربه التي ألحقت به أضرارا كبيرة، لكن مع هذا لم تقف الحرب، لتدخل عامها الثاني وينتقل لهيبها من غزة والضفة الغربية والقدس إلى لبنان الشقيق، مع استمرار الحرب على غزة بكل ما أوتي الاحتلال من إجرام وغياب كامل للإنسانية يحرقون الناس أحياء، ويستشهد الأسرى من التعذيب، ويموت الأطفال جوعا وعطشا، مفقودين تحت الأنقاض، مصادرة الأرض المقام عليها الأونروا في القدس لإقامة 144 مستوطنة، الاعتداء على قوات اليونيفيل، هو جزء من كلّ الإجرام الإسرائيلي الذي تتشبث به في غزة، وتفتح جبهات أخرى لهذه الحرب التي يبدو واضحا أنها تأخذ القادم إلى المجهول، المجهول المخيف .
وحتى لا تبقى الأوضاع بهذا التشتت وتحكّم إسرائيل بمفاتيح السلام، وإصرارها على جر المنطقة لحرب دون أدنى شك لن تكون لصالح أحد، بما فيها إسرائيل، بل أولها إسرائيل، على العالم أن يستمع لصوت الحكمة الأردني بضرورة أن يسعى المجتمع الدولي إلى تعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة وأن يقول كلمته في ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان وخفض التصعيد في المنطقة، دون ذلك سيبقى الحال خطيرا، ونتجه نحو الأخطر، ومن يحاول تغيير هذا الأمر حتما يضلل نفسه قبل أن يضلل الآخر.
عمّان العمق العربي، منها خرج صوت الحق والحقيقة، بتأكيدات من جلالة الملك والتي أحدثها أمس خلال لقاء جلالته رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي على ضرورة وقف الحرب، وخلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف، التأكيد على ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وخفض التصعيد في المنطقة، علاوة على تحذيرات جلالته من استمرار الحرب على غزة ولبنان، وضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف وتعزيز الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة، رؤى واضحة، تدفع للتفكير بإيجابية لوضع نهاية أو ملامح نهاية لما تشهده المرحلة من ظروف هي الأقسى والأصعب بتاريخ البشرية.
حقيقة يدير العالم لها ظهره، القادم مجهول ليس لغزة فقط، إنما للعالم بكل بقعة به، اقتربت جغرافيا أرضه منها أم ابتعدت، قادم مجهول خطير، ليس آمنا، إسرائيل ماضية في حربها بكل إجرام، حكومة إسرائيلية تفلت من العقاب لا تُحاسب على كل ما ترتكبه من جرائم، عالم يدير ظهره لكل هذه الحقائق، أو لا يعيرها أهمية، ظنّا منه أن ما يحدث لا يعنيه، المخيف ليس لغزة، على الجميع أن يدرك هذه الحقيقة، وعلى المجتمع الدولي أن يوقف إسرائيل، ويحاسبها، فهي ماضية لا تعترف بخسائرها ولا بهزائمها، تسجّل يوميا بل كل ساعة جريمة جديدة تطعن الإنسانية في خاصرتها، وتقتل السلام دون بريق أمل بعودته، حقيقة يدير لها العالم ظهره الخطر سيلحق بالجميع إذا ما بقي يتكئ على قناعات البُعد الجغرافي عن أراضيه.