منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، شهدت القواعد الجوية الإسرائيلية سلسلة من الهجمات المنسقة التي كشفت عن أبعاد جديدة في المواجهة الإقليمية ، سواء عبر الصواريخ، الطائرات المسيّرة، أو الضربات المباشرة، حيث استهدفت هذه الهجمات مواقع عسكرية استراتيجية تمثل العمود الفقري لقدرات الاحتلال الدفاعية والهجومية ، وقد نفذتها قوى مختلفة من بينها المقاومة الفلسطينية في غزة، حزب الله اللبناني، جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن، فصائل عراقية مسلحة، وأيضًا الحرس الثوري الإيراني ، وهنا لا بد من توضيح أهمية القواعد الجوية الإسرائيلية في العمق الاستراتيجي والدور الحاسم لها ، حيث تمثل القواعد الجوية الإسرائيلية واحدة من أكثر المنشآت العسكرية سرية وحيوية في إطار العمليات العسكرية الإسرائيلية ،ويعتمد الجيش الإسرائيلي عليها في مجموعة واسعة من المهام القتالية والدفاعية، مثل الاستطلاع، التجسس، والدعم الجوي للقوات البرية والبحرية. كما تعد هذه القواعد أداة أساسية في تنفيذ هجمات سريعة على الجبهات المختلفة، داخل وخارج الأراضي الفلسطينية ، و
بينما يعترف الجيش الإسرائيلي بوجود 10 قواعد جوية رسمياً، فقد كشفت وثائق مسربة عن وجود قواعد سرية أخرى تمويهية، لا تظهر على الخرائط الرسمية ويتم إخفاؤها تحت مظاهر زراعية أو صحراوية وهمية، أو حتى عبر سحب رقمية، لحماية مواقعها من الاستهداف ،وهذا الأسلوب من التمويه يعكس الحرص الكبير على حماية هذه المنشآت التي تشكل ركيزة في الدفاع والهجوم الإسرائيلي ، ودعونا نلقي نظرة على دور التاريخ في بناء القواعد الجوية ، سيما وأن الإرث البريطاني والدعم الأمريكي لهما الدور الأهم في بناء هذه القواعد ، حيث تعود بعض هذه القواعد إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل ، فقد أسس الجيش البريطاني خلال فترة الانتداب على فلسطين قواعد لسلاحه الجوي، ورثتها إسرائيل فيما بعد ، ومنذ عام 1948، عملت الدولة الناشئة على تطوير بنيتها العسكرية الجوية بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، التي استمرت في دعم إسرائيل بمعدات متقدمة وتمويل بناء المزيد من القواعد الجوية الحديثة ، ومن بين هذه القواعد، نجد "بلماخيم"، وهي قاعدة جوية كبيرة تقع جنوب تل أبيب وتضم مجموعة متنوعة من التخصصات الاستراتيجية، بما في ذلك إطلاق الصواريخ والعمليات الفضائية ، أما قاعدة "تل نوف" فهي من القواعد الرئيسية وتعتبر بمثابة مدينة عسكرية، إذ تحتوي على العديد من الأسراب القتالية وأجهزة التجسس المتطورة، وتُستخدم أيضًا لتدريب قوات المظليين ، وجدير بالذكر أن الاستهداف المتكرر للقواعد الجوية ، له تأثير قوي على تحول في توازن القوى ، وفي ظل معركة "طوفان الأقصى"، تم استهداف عدة قواعد جوية إسرائيلية بضربات صاروخية وطائرات مسيرة، كان أبرزها قاعدة "تل نوف"، التي تلقت قصفًا شديدًا من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني ، وقد أسفر هذا القصف عن أضرار كبيرة رغم محاولات الاحتلال التعتيم على حجم الضرر باستخدام تقنيات رقمية لإخفاء الصور الجوية ، كما واستهدفت الضربات قواعد أخرى مثل قاعدة "حيتسريم"، التي تضم أسرابًا من طائرات F-16 وطائرات أباتشي الهجومية ، إضافة إلى ذلك، تم استهداف قاعدة "عوفدا" في النقب من قبل فصائل المقاومة العراقية ، وهذه الهجمات تعكس تحولًا في طبيعة الصراع ، حيث أصبح التركيز على استهداف العمق الاستراتيجي لإسرائيل، وليس فقط العمليات التقليدية على الحدود ، وتشير الهجمات المستمرة على القواعد الجوية إلى تصاعد دور المحور الإقليمي المقاوم بقيادة إيران، الذي يضم فصائل فلسطينية، لبنانية، عراقية، ويمنية ، و هذه الفصائل أصبحت أكثر تنظيمًا وتنسيقًا في استهداف البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية ، وتعكس هذه العمليات تحولًا في استراتيجية المواجهة مع الاحتلال، حيث يتم السعي بشكل متزايد إلى تحييد سلاح الجو الإسرائيلي، الذي طالما شكل عامل تفوق في أي معركة. والتصعيد الأخير يشير إلى أن إسرائيل قد تجد نفسها أمام تحديات جديدة غير مسبوقة في قدرتها على حماية قواعدها الجوية، التي كانت حتى وقت قريب بعيدة عن التهديد المباشر ، وهذا الواقع الجديد قد يفرض على جيش اسرائيل إعادة حساباته الدفاعية والهجومية، وربما اللجوء إلى مزيد من التقنيات التمويهية أو حتى إعادة نشر قواته الجوية في مواقع جديدة أقل عرضة للاستهداف، وكما أن هذه الهجمات تكشف عن هشاشة افتراضات التفوق الجوي الإسرائيلي في مواجهة صواريخ متطورة وطائرات مسيرة، التي تستخدمها المقاومة بشكل مكثف ، فإن هذه التحولات قد تفرض أيضًا مزيدًا من الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية والهجومية، خصوصًا في ظل صعوبة السيطرة على تدفق الأسلحة الحديثة إلى أيدي قوى المقاومة ، فضلاً عن ان استهداف القواعد الجوية الإسرائيلية خلال معركة "طوفان الأقصى" الذي يمثل نقطة تحول في الصراع الإقليمي، حيث تظهر هذه الهجمات قدرة المقاومة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي واستهداف مواقعه الأكثر سرية واستراتيجية ، وبينما تحاول إسرائيل التكيف مع هذا التحدي الجديد، يبقى السؤال الأبرز والأهم : كيف ستتمكن من الحفاظ على تفوقها الجوي وسط هذا التصعيد المتزايد؟!! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .