تستمر الدولة الصهيونية على مدى أجيال تستثير العصبيات وتستغل تمايز الشعوب الناتجة عن جهلهم لطبيعة الفوارق ما بين الجهات والمجتمعات، وتستثمر في جهل الشعوب للتاريخ وللجغرافيا، ولعدائية غالبيتهم لأساليب ومتعة الحياة، وتحقّق أهداف كثيرة من خلال إستعطافها الغرب وإلتهام ثرواته، بل وثروات المنطقة كلها، في أكبر عمليّة إجراميّة بدأت في العام 1948، وتستمر في قمع ومواجهة نمو شعبٍ أعزل مناضل، يتوالد ويحيا على أرضه المغتصبة من الضفة الغربية إنتهاءا بلبنان، ولإغتصاب حقّهم في تقرير مصيرهم فوق ترابهم الوطني، قبل أن ترحّل إليها الشياطين، وقبل أن تهدر في أجوائها آلات جهنّم باستجداء الأساطيل، والتقنية العسكرية الحديثة لهلاك البشريّة بالطائرات والصواريخ ذات الصناعة الغربية والشرقيّة، التي يتضاعف إنتاجها على حساب باقي الصناعات الحيويّة، التي تصنع بقرار أميريكي أوروبي و بإشراف أممي.
وأما الأردن بشكلٍ خاص، هذا البلد الصامد الذي يقبع تحت النار صامد بقدرة الله، ثم بهمة وتضحيات أبنائه الميامين، نشامى الحطة الحمراء، أصحاب الجباه الحنطية، أهل العزّة والكرامة ورجالات التضحية والوفاء، في زمنٍ قلّ فيه الإكتفاء وندر الوفاء؛ فيبقى تحت هذه الضربات "القاسية والقويّة والغير مسبوقة" ، ويستمر في دفع الثمن عن نفسه وعن غيره، بمن فيهم المتخاذلون الذين تخلّوا عنه في أحلك الظروف و الأزمات، فلم يقدموا له سوى القليل من مستحقاته ليواجه الويلات منفرداً، وكما هو الحال في كل مرّة، يكابد جميع المكائد والمصائب، و المحن بهيبة و إقتدار، فقد صنع لنفسه إستراتيجية دفاعية قادرة على حمايته وحماية بيئته الحاضنة وتلك المتعاطفة.
وهو وضع معقد بلا شك، تتداخل في الحسابات والمصالح، الضغوط والإغراءات، لكن ما يشفع لصانع السياسة والقرار في الأردن، أن الأمر لطالما كان على هذا النحو، وتاريخ الدبلوماسية الأردنية هو على أية حال، تاريخ السير بين خطوط النار الحمراء المتقاطعة، التي غالباً ما تتحول إلى حقول ألغام..فهل نخرج من المحنة هذه المرة بأقل قدر من الخسائر، أم أننا سنجد أنفسنا وقد بلغنا ضفافاً لا نريد الوصول إليها، وانخرطنا في لعبة لم نُستشر عند رسم قواعدها ووضع أحكامها.
نرفع الصلوات ونصدح بالإبتهالات، ليحمي الله الأردن وطننا آمنا مطمئنا، وأن يمنّ بالرحمة لأرواح الشهداء الذين كانوا ثمنا ليظهر هذا التعاضد والتكاتف والتعاطف فيما بين الأردنيين.
وسلام على المرابطين الصامدين، بنبضاتٍ هادرة وقبضاتٍ حازمة، وبصدورٍ عارية، وعيون يقضة قاومت المخرز قولا وفعلا، وصمدت و إنتصرت، فقد آن للأردن الآن أن يعيد ترمّيم ما تصدّع ، ونواجه همجيّة الأعداء بإحياء مؤسساتنا الوطنية، وإعادة دورة الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية بوجه مختلف أكثر قوة وتماسكا، وكفانا أن ننتظر منّة الآخرين الذين لا ينفخون بنا، إلا ما يبتلينا، ويريح أبنائهم وشعوبهم على حساب أبناء شعبنا وشبابنا، فيحق لنا أن ننعم بسلام يشبه السلام الذي تنعم به دول العالم.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي