تشهد الساحة الفلسطينية تحركات سياسية مفاجئة ومهمة يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي دعا مؤخرًا إلى سلسلة لقاءات وطنية طارئة مع فصائل المقاومة الفلسطينية والتيارات الغاضبة داخل حركة فتح ، وتأتي هذه التحركات في وقت حرج، حيث تواجه القضية الفلسطينية تهديدات متزايدة على عدة جبهات، داخليًا من خلال التوترات السياسية والخلافات بين الفصائل، وخارجيًا من خلال التصعيد الإسرائيلي المستمر وتوسع الاستيطان في الضفة الغربية ، وهذه الخطوات الأخيرة التي أقدم عليها الرئيس عباس، بما في ذلك إرسال رسائل إلى قيادات حماس والجهاد الإسلامي، حملت في طياتها دعوات لتوحيد الصف الفلسطيني في هذه المرحلة الخطيرة ، ومع ذلك، فإن هذه التحركات قوبلت بشكوك واسعة من العديد من الفصائل والقيادات الفلسطينية، التي ترى أن هذه الدعوات قد تكون مناورة سياسية تهدف إلى تحقيق أهداف أخرى، غير المصالحة الحقيقية ،ومن الواضح أن الدعوات التي أطلقها الرئيس عباس لا تأتي من فراغ، فهي تعكس إدراكه العميق لتعقيدات المشهد الفلسطيني ، ولكن هناك من يعتقد أن هذه التحركات تأتي في إطار محاولة للفت انتباه المجتمع الدولي، وتحديدًا الولايات المتحدة، إلى التحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية في ظل التدخلات الدولية المتزايدة ، ويبدو أن عباس يسعى من خلال هذه المبادرات إلى إعادة فرض نفوذ السلطة الفلسطينية على المشهد، لا سيما في ظل التحركات الإقليمية والدولية الرامية إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ، في وقت تتزايد الضغوط الدولية لتوحيد الفصائل الفلسطينية، وتبرز في هذا السياق عدة مبادرات دولية، منها مبادرة قطرية تهدف إلى إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب جهود دبلوماسية تقودها روسيا والجزائر وعدة دول أخرى ، كما أن هناك اجتماعات عقدتها إيران مع الفصائل الفلسطينية في سوريا تشير إلى أن هناك زخمًا دوليًا يتجه نحو محاولة توحيد الموقف الفلسطيني ، و
في هذا السياق، يبدو أن الرئيس عباس شعر بضرورة استباق هذه التحركات من خلال العودة إلى المبادرة الوطنية والمصالحة الداخلية، بدلاً من ترك الساحة مفتوحة لتدخلات دولية قد تقلص من دور السلطة الفلسطينية ، ومع ذلك، يبقى التساؤل قائمًا: هل هذه التحركات تعبر عن إرادة حقيقية لتوحيد الصف الوطني أم أنها مجرد تكتيك سياسي يهدف إلى تهدئة الأوضاع؟! وجدير بالذكر أن
من بين الخطط التي تم طرحها سابقًا لتحقيق المصالحة الفلسطينية كانت "وثيقة بكين"، التي رعتها الحكومة الصينية وضغطت من أجل تنفيذها ، وهذه الوثيقة كانت تهدف إلى وضع برنامج عمل مشترك يوحد جميع الفصائل الفلسطينية تحت مظلة واحدة، إلا أن هذه المبادرة تعطلت عند أول اختبار لها، عندما شهدت الأراضي الفلسطينية تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا كبيرًا، خاصة في مدن جنين ونابلس وغزة، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وتفاقم الأوضاع الإنسانية ، ولا تزال فكرة العودة إلى وثيقة بكين تلوح في الأفق، خصوصًا في ظل استمرار الضغوط الدولية لإحياء عملية المصالحة ، وقد تكون هذه الوثيقة جزءًا من التحركات التي يسعى الرئيس عباس إلى إحيائها، ولكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية توفير أرضية حقيقية لتحقيق المصالحة ، فالتوترات الداخلية، والانقسامات السياسية بين التيارات الغاضبة داخل حركة فتح من جهة، والخلافات بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي من جهة أخرى، لا تزال تعيق أي تقدم ملموس في هذا الملف ،وما يزيد من تعقيد الوضع هو استمرار التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة ، والاقتحامات العسكرية المتكررة لمدن مثل جنين وطولكرم ونابلس، والتي أسفرت عن تدمير البنية التحتية الفلسطينية، مما يظهر مدى هشاشة الوضع الأمني ، وهذه الهجمات لا تمثل فقط تحديًا عسكريًا للفلسطينيين، بل تؤكد أيضًا ضرورة توحيد الجهود الوطنية للوقوف في وجه المشاريع الاستيطانية والتوسع الإسرائيلي ، و
لكن، حتى في ظل هذا التصعيد، يبدو أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، تحت قيادة الرئيس عباس، قد فضّلت تعطيل أي جهود حقيقية لتوحيد الصف الفلسطيني عندما يتعلق الأمر بمواجهة هذه التحديات ، فقد تم تعطيل وثيقة بكين من قبل هذه الأجهزة خلال التصعيدات العسكرية الإسرائيلية، مما يعكس تردد القيادة في اتخاذ خطوات جريئة نحو المصالحة في أوقات الأزمات ، وإلى جانب المبادرات الداخلية، تلعب التحركات الإقليمية والدولية دورًا مهمًا في تشكيل المشهد الفلسطيني ، فالمبادرات التي يتم مناقشتها في العاصمة القطرية الدوحة تهدف إلى تجميع القيادات الفلسطينية تحت مظلة واحدة، مع التركيز على إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية. هذه المبادرات، التي تلقى دعمًا من عدة دول عربية ودولية، قد تمثل فرصة حقيقية لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، ولكنها في الوقت ذاته تمثل تحديًا كبيرًا للسلطة الفلسطينية ، و
الخوف من تزايد تدخلات الدول الأجنبية والعربية في الشأن الفلسطيني قد يكون أحد الأسباب التي دفعت الرئيس عباس إلى التحرك بسرعة والدعوة إلى لقاءات طارئة ، فعباس يدرك أن فقدان السيطرة على الملف الفلسطيني سيعني تقليص نفوذ السلطة الفلسطينية، وهو أمر يسعى لتجنبه بأي ثمن ، ولذلك، يمكن تفسير تحركاته الأخيرة بأنها محاولة للعودة إلى الواجهة السياسية وتوجيه دفة الأمور قبل أن تفلت من يديه ، ويبقى السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه: هو السؤال عنوان المقال ، في حين أن
المشهد الفلسطيني الحالي يتسم بتعقيد كبير، حيث تتداخل فيه المصالح الداخلية مع التدخلات الدولية، والتحديات الأمنية مع الخلافات السياسية ، وفي ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي وتزايد التدخلات الدولية، فإن المصالحة الفلسطينية تظل مطلبًا ملحًا، ولكنها تتطلب إرادة سياسية صادقة واستعدادًا للتنازل من جميع الأطراف ، وبدون ذلك، ستبقى هذه المبادرات مجرد محاولات لاحتواء الأزمات دون تقديم حلول حقيقية ودائمة ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن