في ظل عقود من الصراع والمآسي الإنسانية في فلسطين المحتلة، خرجت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بورقة جديدة تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته القانونية والأخلاقية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر لعقود طويلة ، هذه الورقة الصادرة في 18 أكتوبر 2024، ليست مجرد تقرير آخر، بل تشكل دعوة صريحة وحازمة لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وإنهاء الاحتلال الذي يعتبر حجر الأساس في استمرار الصراع والعنف في عموم المنطقة ، و
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ، يعتبر مرجعية قانونية غير قابلة للتأويل أو الطعن ، و
في هذه الورقة، يقف الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر منذ سنوات، والذي أكد بلا لبس أن وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، هو غير قانوني بموجب القانون الدولي ، ويستند هذا الرأي إلى مبادئ القانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف التي تحظر بشكل صريح أي شكل من أشكال الاستيطان أو ضم الأراضي بالقوة ، وهذا الموقف القانوني الواضح يضع أمامنا سؤالًا حيويًا: لماذا لم يُفعّل المجتمع الدولي هذا الرأي حتى الآن؟!! و الإجابة تكمن في التحديات السياسية والدبلوماسية التي حالت دون ذلك، ولكن تقرير لجنة التحقيق الأممية يأتي ليعيد تسليط الضوء على ضرورة تجاوز هذه التحديات والعمل بشكل فعال لإنهاء هذا الاحتلال ، وترى رئيسة اللجنة، نافي بيليه، أن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية هو السبب الجذري للصراع المستمر، مشيرة إلى أن دوائر العنف والاضطرابات الدائمة في المنطقة مرتبطة مباشرة بوجود هذا الاحتلال ، ولا يتعلق الأمر هنا بمسألة سياسية أو أمنية فحسب، بل بجذور تاريخية وإنسانية تطال حقوق الإنسان وكرامته، فضلاً عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ، وإن الاحتلال، كما تراه اللجنة، ليس فقط انتهاكًا للسيادة الفلسطينية، بل هو نظام من الاستغلال والقمع الهيكلي الذي يشمل التمييز العرقي والقومي والديني ،و المستوطنات الإسرائيلية، التي تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي، تمثل أحد أهم الأدوات التي يستخدمها الاحتلال لتعزيز قبضته على الأراضي المحتلة، وتشكل عقبة رئيسية أمام حل الدولتين ،
ويدعو التقرير الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العامة إلى اتخاذ إجراءات عملية لتنفيذ قرارها الصادر في سبتمبر 2024، الذي يلزم إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية خلال 12 شهرًا ، ومع ذلك، فإن تنفيذ مثل هذه القرارات يعتمد على إرادة الدول الكبرى واستعدادها للتعامل مع إسرائيل وفق مبادئ القانون الدولي وليس بناءً على مصالحها السياسية ، كما وتوصي اللجنة بأن تقوم الدول بتعزيز التعاون الدولي لتطبيق العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد إسرائيل في حال عدم التزامها بقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك فرض حظر على بيع الأسلحة والمعدات العسكرية، وتجميد العلاقات الدبلوماسية معها حتى ينتهي الاحتلال ، وإن إلزام الدول بعدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو خطوة هامة نحو وضع حد للانتهاكات القانونية الإسرائيلية، بما يتوافق مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ، والجزء الأكثر تأثيرًا في تقرير اللجنة هو التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، وهذا الحق، الذي يعتبر من أسس القانون الدولي، لا يمكن تأجيله أو تهميشه بحجة أن الظروف السياسية غير مواتية ،سيما وان استمرار الاحتلال يفرغ هذا الحق من محتواه، ويعيق تطلعات الفلسطينيين لبناء دولتهم المستقلة ذات السيادة ، ومن هنا، فإن تحقيق السلام في الشرق الأوسط مرهون بإرادة المجتمع الدولي للضغط من أجل إنهاء الاحتلال كخطوة أولى نحو الاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني ، وعلى الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، والاتحاد الأوروبي، أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في هذا الشأن، بعيدًا عن التوازنات السياسية التي أثبتت عدم جدواها في تحقيق حل عادل ودائم ، لأن
تقرير لجنة التحقيق الدولية لا يعيد فقط التأكيد على حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، بل يضع أمامنا تحديًا عالميًا يتطلب استجابة شاملة من جميع الدول والمنظمات الدولية ،سيما وان إنهاء الاحتلال ليس فقط مسألة فلسطينية، بل هو مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره ، ومن هنا، يجب أن يتحول هذا التقرير إلى خارطة طريق تلتزم بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولا يجب أن يبقى مجرد وثيقة أخرى في أرشيف القرارات غير المطبقة ، فالعالم اليوم يقف أمام فرصة نادرة لإنهاء واحد من أطول وأشد النزاعات في التاريخ الحديث، وما لم تتحرك الدول الفاعلة بشكل جدي وعاجل، فإن حل الدولتين سيبقى حلمًا بعيد المنال ، وله تكاليف دموية من شأنها أن تؤثر على الأمن والاستقرار العالمي ، وليس الإقليمي فحسب . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .