ما الذي يدفع زعيما سياسيا بوزن عبد الرؤوف الروابدة أن يتصدى لموضوع اجتماعي شائك هو العشائر الاردنية? لا سيما ان الحديث عن العشائر وأنسابها اصبح تهمة تلاحق "مقترفها", لان البعض يحاول دائما ان يربط بين"التخلف" والعشائر بينما يحاول البعض الاخر التنصل من واقعه والايحاء بانه "عابر للعشائر" وانه عروبي او اسلامي او اممي وهو موقف لا ينفي اصل الفرد وتاريخه.
والسؤال الذي سيطرحه البعض خاصة من النخب, لماذ يؤلف الروابدة كتابا في انساب العشائر ولا يؤلف مثله في السياسة? وهل هناك هروب من الواقع? لا اعتقد أن الروابدة غفل عن مثل هكذا اسئلة مشروعة, وقد سبق ان زرته مرات عديدة وتحادثنا حول مشروع كتابه, ولا اعتقد ان الروابدة في كتابه يقصد المناكفة او الهروب من دوره كسياسي, رغم ان التهمة جاهزة.
اعتقد ان ذكاء الروابدة الحاد جعله يتوقف عند مشروع الانساب عن العشائر سنة 1950 وهي خطوة جنبته الكثير من سوء الظنون, لانه يقصد المحاولة لتقديم خدمة للاردن كوطن وشعب عبر توثيق انساب العشائر بطريقة محايدة, لان التاريخ المدون عن العشائر عادة ما كتب على أيدي ابنائها الذين وضعوا ما يناسبهم من الوقائع, زاد ام نقص?
ظلم الاردن كثيرا عندما رسمت اغلب العشائر الاردنية خط سيرها التاريخي مبتدئة من الحجاز او العراق او اليمن, وكانت الارض الاردنية "خرابا" عبرالتاريخ ولم يسكنها احد, مع ان الشواهد الاثرية تقول عكس هذا الكلام, بدليل الحضارات العديدة التي تعاقبت واستوطنت فيها قبل ميلاد السيد المسيح وبعده, وبدليل العشائر المسيحية العربية التي ما زالت على دينها وارضها منذ الفي سنة, لكن الذي كرس مقولة"تجوال العشائر" هي حقيقة ان القبائل العربية كانت "قبائل نسب وليست ارضا" اي تعتز بانسابها كونها قبائل بدوية متنقلة لم ترتبط بالارض كقيمة اجتماعية او سياسية.
وهناك من خلط كثيرا بين حركة السكان وبين حركة العشائر رغم الفارق الكبير بينهما من حيث الحقبة التاريخية ومن حيث تصنيفها, حيث ان لدى الفئة الاولى حركة سياسية بحت هدفها البحث عن الامان لانها جاءت نتيجة أحداث سياسية عدوانية بينما جاءت في الفئة الثانية كحركة اقتصادية اجتماعية طلبا للكلإ والماء بالدرجة الاولى.
كذلك فان اغلب مراجع تاريخ العشائر الاردنية وأنسابها كتبت بأيدي المستشرقين الاوروبيين الذين جالوا في المنطقة وبين المضارب البدوية كرجال دين مسيحي حقيقيين او مزيفين عملوا كرجال استخبارات هدفهم التجسس لصالح دولهم, وكانت مراجعهم الوحيدة في التدوين الرواة من العشائر نفسها.
لا شك أن عبد الرؤوف الروابدة قام بعمل يشكر عليه هدفه الاساسي تدوين جميع ما كتب عن العشائر بين دفتي كتاب واحد لتوثيق التاريخ وربطه بالارض الاردنية لتجذير تلك الهوية, لاننا شعب شغوف ومعتز الى اعلى درجه بنسبه ولا يمكن ان يكون الحكم على كتاب"معجم العشائر الاردنية" او تقييمه الا بقراءة الكتاب ومعرفة الجهد المبذول فيه وربطه بمصلحة الاردن الشعب والدولة.0