دخل الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله، والذي تفاقم منذ ما يزيد عن عام، مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، حيث شهد استهدافًا مباشرًا لقيادات حزب الله في محاولة لتغيير قواعد اللعبة ، والإعلان الإسرائيلي الأخير، بقيادة نتنياهو، حول مقتل هاشم صفي الدين، الخليفة المحتمل للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أثار جولة جديدة من التكهنات ، فنتنياهو أشار إلى نجاح إسرائيل في استهداف عدد من القيادات المرشحة لقيادة الحزب، لكن الغموض ما زال يلف مصير صفي الدين، إذ لم يصدر عن حزب الله أو إسرائيل أي تأكيد رسمي بشأن وفاته، مما يترك الباب مفتوحًا أمام عدة سيناريوهات ، والتصعيد الأخير يعكس سياسة إسرائيلية جديدة تستهدف القادة المؤثرين في الحزب، سعيًا وراء زعزعة تماسكه الداخلي ،وما صدر عن نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت يهدف إلى إثارة القلق بين مقاتلي وداعمي حزب الله، مستغلين الحرب النفسية كورقة ضغط إضافية ، فالعمليات التي تنفذها إسرائيل لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تسعى إلى خلق فجوة بين القيادة والقاعدة الشعبية للحزب، من خلال التأكيد على قدرة إسرائيل على الوصول إلى القيادات العليا، وضرب منظومة القيادة بشكل مباشر ، وإسرائيل تستخدم هذا التصعيد ضمن إطار أوسع، يتجاوز حزب الله نفسه، إلى محاولات تفكيك الشرعية التي يتمتع بها الحزب في الداخل اللبناني ، لهذا وجّه نتنياهو خطابه إلى الشعب اللبناني، داعيًا إياه إلى "تحرير" لبنان من هيمنة حزب الله، في محاولة منه لاستغلال حالة التوتر والانهيار السياسي والاقتصادي التي يمر بها لبنان ، وهذه الدعوات تتماشى مع استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد تستهدف تقويض الدعم الشعبي للحزب، عبر ربطه بالمصائب التي يواجهها لبنان ، وتأتي الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع في بيروت واستهداف قيادات الصف الأول في حزب الله، مثل هاشم صفي الدين وحسن نصر الله، تمثل جزءًا من هذه الاستراتيجية الأوسع التي تسعى إلى استنزاف الحزب من الداخل ،واستهداف القيادات ليس فقط ضربة تكتيكية بل معنوية، فحزب الله يعتمد بشكل كبير على قياداته الكاريزمية لتنظيم هيكله الهرمي ، وفي حال ثبتت وفاة صفي الدين أو قيادات أخرى، فإن الحزب قد يواجه صعوبة في الحفاظ على استقراره التنظيمي في ظل الضربات المستمرة ، ولكن هذا السيناريو لا يقتصر فقط على حزب الله ، فإيران، الداعم الرئيسي للحزب، تعد جزءًا من هذه المعادلة ، واستهداف قيادات حزب الله يمثل ضربة غير مباشرة لطهران التي تعتمد على الحزب كذراع قوي في تنفيذ مصالحها الإقليمية ، والتصعيد الإسرائيلي يشير أيضًا إلى محاولة لتقليص النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة، وهو ما يدفع طهران إلى مراجعة استراتيجياتها والتفكير في بدائل للتعامل مع هذا الضغط ،
وفي ظل استمرار هذه الضربات، تشير تقارير إلى أن إيران بدأت تضغط على حزب الله للسعي نحو وقف إطلاق النار لتجنب المزيد من الخسائر إذا استمرت إسرائيل في استهداف البنية التحتية القيادية للحزب، فإن طهران قد تجد نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في دعمها المفتوح للحزب، أو البحث عن وسائل أخرى لضمان بقاء نفوذها الإقليمي دون استنزاف المزيد من الموارد ، ومن جانب آخر، حزب الله يواجه تحديات داخلية تتعلق بتآكل شعبيته ، فالتوترات الاقتصادية والسياسية في لبنان تتفاقم، والحزب يتحمل جزءًا من اللوم لدى قطاعات واسعة من الشعب اللبناني، حيث يُنظر إليه كعائق أمام استقرار البلاد ،وتصريحات نتنياهو الأخيرة لم تكن فقط موجهة نحو زعزعة الثقة الداخلية في الحزب، بل أيضًا كجزء من محاولة إشعال الفتنة بين الحزب والشعب اللبناني، مستغلاً الوضع الهش الذي تعيشه البلاد ، ولكن على الرغم من هذه التحديات، أثبت حزب الله مرارًا وتكرارًا قدرته على الصمود أمام الضغوط العسكرية والاقتصادية ،فالحزب يتمتع بتجربة طويلة في مواجهة إسرائيل، وقد يستمر في تنفيذ عمليات انتقامية تستهدف العمق الإسرائيلي كجزء من الرد على هذا التصعيد ، ومع ذلك، فإن استمرار استهداف قياداته قد يؤدي إلى إضعافه تدريجيًا ويخلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي قد تستغلها إسرائيل لمزيد من التقدم ، إلا أن
الصراع بين إسرائيل وحزب الله بات أكثر من مجرد مواجهة عسكرية، إنه الآن صراع على الهيمنة الإقليمية والنفوذ ، و إيران تبقى لاعبًا رئيسيًا في هذه المعادلة، ولكن مع تزايد الضغوط على حزب الله، قد تضطر طهران إلى تغيير استراتيجيتها أو البحث عن حلول دبلوماسية لتجنب المزيد من الخسائر ، أما بالنسبة لإسرائيل، فهي مستمرة في ممارسة الضغط على حزب الله وعلى داعميه في المنطقة، في محاولة منها لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية ، وتبقى الضربات الجوية والتصريحات السياسية ليست سوى جزء من هذا المخطط الشامل الذي يستهدف تقليص نفوذ حزب الله وإيران ، إلا أن السؤال الأهم في هذا السياق ، هو : هل سيؤدي هذا التصعيد المستمر إلى حرب شاملة؟! أو أن الأطراف المعنية ستتمكن من إيجاد حلول تحول دون اندلاع نزاع أكثر دموية قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة بأسرها؟!! و ما هو مؤكد، أن الصراع الحالي بين إسرائيل وحزب الله قد يحدد معالم المستقبل السياسي والأمني للبنان والمنطقة لسنوات قادمة ... !!
خادم الإنسانية
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي