في السنوات الأخيرة، أصبحت إيران ساحة مفتوحة لعدد من الاختراقات الأمنية، و الاستخباراتية التي كشفت عن هشاشة منظومتها الأمنية، حيث شهدت البلاد عمليات اغتيال وتخريب، فضلاً عن تسريبات لمعلومات حساسة تمس المؤسسات العسكرية والأمنية الإيرانية ، وهذه الخروقات أثارت تساؤلات كبيرة حول قدرة إيران على الحفاظ على أمنها الداخلي وسط تزايد الضغط الدولي والإقليمي عليها ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أهم هذه الاختراقات ، ومنها :
1. خروقات مستمرة في صفوف الحرس الثوري ، وللتوضيح نقول : تولى إسماعيل قاآني منصب قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني في يناير 2020، خلفاً لقاسم سليماني الذي اغتيل بغارة أمريكية. ورغم توليه هذا المنصب الحساس، بدأت في الآونة الأخيرة تكهنات واسعة حول مصيره، حيث أثيرت تساؤلات حول ما إذا كان قد تم استجوابه في قضية اختراق استخباراتي كبير، وهي مسألة تشير إلى وجود ثغرات أمنية حتى في الدوائر العسكرية العليا ، وقبل قاآني، كان سليماني الشخصية الأبرز في العمليات الخارجية لإيران، وكان محط استهداف من قبل خصوم إيران، ولكن اغتياله أظهر بوضوح أن القدرات الاستخباراتية التي يتمتع بها خصوم إيران، مثل إسرائيل والولايات المتحدة، تفوق بشكل كبير تلك التي لدى الحرس الثوري الإيراني.
2. اختراقات استخباراتية وضربات جوية دقيقة ، وقد
شهدت إيران سلسلة من الهجمات والاختراقات الاستخباراتية الكبيرة ، ففي يوليو 2024، نفذت إسرائيل ضربة جوية أدت إلى مقتل عباس نيلفروشان، نائب قائد عمليات الحرس الثوري، في ضاحية بيروت الجنوبية ، وهذه العملية لم تتوقف عند هذا الحد، بل أسفرت أيضًا عن مقتل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ، ونجاح هذه العملية كان مبنيًا على اختراق استخباراتي كبير، كشف عن قدرة إسرائيل على جمع معلومات حساسة عن حلفاء إيران في المنطقة وتنفيذ عمليات دقيقة ،وقبل ذلك، تمكنت إسرائيل من تنفيذ عملية اغتيال زعيم حركة حماس، إسماعيل هنية، داخل طهران في يوليو 2024، مما أضاف إلى قائمة الخروقات التي تعرضت لها إيران على مدار سنوات.
3. الاختراقات في البرنامج النووي ، ومن أبرز عمليات الاختراق التي واجهتها إيران كانت في عام 2018، عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن سرقة أرشيف البرنامج النووي الإيراني، والذي ضم نحو 55 ألف وثيقة وعشرات الأقراص المدمجة ، وهذه السرقة كشفت عن ضعف في الإجراءات الأمنية المحيطة بالبرنامج النووي الإيراني، الذي يعتبر من أهم أولويات النظام.
إضافة إلى ذلك، اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في نوفمبر 2020 باستخدام روبوت رشاش يعمل بالتحكم عن بعد داخل الأراضي الإيرانية أظهر مدى التقدم التكنولوجي الذي تستخدمه إسرائيل في عملياتها الاستخباراتية، وعدم قدرة إيران على مواجهة هذه التهديدات.
4. اختراق الموساد لوزارة الاستخبارات الإيرانية ، ففي عام 2021، فجر الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد مفاجأة عندما أعلن أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) قد تمكن من اختراق وزارة الاستخبارات الإيرانية ، وهذا التصريح صدم الكثيرين داخل إيران وخارجها، حيث أكد أن الشخص المسؤول عن مكافحة التجسس الإسرائيلي في إيران كان هو نفسه يعمل لصالح الموساد.
هذه الاختراقات المتكررة تشير إلى حالة "النخر" التي تضرب الأجهزة الأمنية الإيرانية من الداخل، خاصة في الحرس الثوري، الذي يُعد العمود الفقري لنظام الحكم في إيران ، ما يزيد من تعقيد هذه المشكلة هو أن تلك الاختراقات تأتي في وقت تشهد فيه البلاد ضغوطاً متزايدة على الصعيد الدولي بسبب برنامجها النووي وأنشطتها الإقليمية.
وهنا تبرز جملة التحديات المستقبلية ، حيث أن إيران تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في كيفية التصدي للاختراقات الاستخباراتية التي تتعرض لها ، فمن الواضح أن الجهود الأمنية التقليدية لم تعد كافية لحماية النظام من الهجمات السيبرانية والعمليات الاستخباراتية التي تنفذها إسرائيل والولايات المتحدة ، علاوة على ذلك، فإن الصراعات الداخلية بين الفصائل المختلفة داخل النظام تزيد من ضعف المنظومة الأمنية وتجعلها أكثر عرضة للاختراقات ، وبالتالي
نستنتج مما سبق أن إيران تعيش في حالة خرق أمني واستخباراتي ، حيث أضحت عرضة للعمليات الاستخباراتية والهجمات التي تنفذها قوى خارجية، وخاصة إسرائيل ، بينما تحاول طهران تحسين قدرتها على الردع والتصدي لهذه التهديدات، يبدو أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة بنيتها الأمنية وتعزيز التنسيق الداخلي بين مختلف الأجهزة لمواجهة هذه التحديات المعقدة ، قبل التفكير في الوضع الإقليمي ... !! خادم الإنسانية.
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .