حظيت جريمة اغتيال القيادي في حماس - محمود المبحوح - باهتمام اعلامي غير مسبوق ، فمنذ ان كشفت شرطة دبي تفاصيل العملية تباعا ، انشغلت وسائل اعلامنا (وغيرها ايضا) بمتابعتها والتعليق عليها وادانتها ايضا ، لكن من المؤسف ان هذه النفرة "الاعلامية" لم تصل الى أسماع مراكز الفعل السياسي ولم تحركها ، الأمر الذي حولها الى أصوات "مبحوحة" لا صدى لها ولا تأثيرا.. في الوقت الذي استطاعت فيه هذه الأصوات ان تخترق - لدى غيرنا - حواجز الصمت واللامبالاة ، فأحدثت لدى الدوائر السياسية هناك ما أحدثته من حراك وردود وادانات ، رغم ان المبحوح ليس مواطنا اوروبيا ، وان ما يربطهم "بالجريمة" هو جوازات سفر جرى تزويرها بما يسيء لوثائقهم المعتمدة.. ولحرية مواطنيهم في السفر لو افترضنا ان بلادنا العربية ستلجأ لذلك في اطار الاجراءات الاحترازية.
اغتيال المبحوح ، ليست اول عملية للموساد الصهيوني ضد المحسوبين على خط المقاومة ، فقد سبقتها عمليات "نوعية" أخرى ، واللافت في آخر عمليتين ان احداهما جرت على الأرض السورية (ضد عماد مغنية القيادي في حزب الله) ، وان الأخرى نفذت ايضا في دبي ، فيما كانت بلادنا قد شهدت عملية فاشلة في نهاية التسعينيات لاغتيال خالد مشعل ، مما يعني ان اختيار الموساد "للاراضي العربية" في اطار مواجهته الاستخبارية مع المقاومة اصبح مألوفا ، ومتكررا ايضا ، لا تسأل بالطبع لماذا؟ ولكن يبدو ان ثمة قناعة قد تولدت لدى صانع القرارين السياسي والاستخباري في تل ابيب بأن "التكلفة" السياسية التي يدفعها اثر تنفيذ عملياته في اوروبا مثلا ستكون باهظة.. وبالتالي فان الساحات العربية كمسرح لتنفيذ الجريمة تبدو مناسبة اكثر.. وغير مكلفة ايضا.
في هذا الاطار لا يمكن بالطبع غمط النجاح "الفني" الذي حققته شرطة دبي ، خاصة على صعيد الاستخدام التكنولوجي ، ودقة التحقيقات والمتابعات وسرعتها ، كما لا يمكن ايضا التقليل من الاهتمام الاعلامي الذي مارسته وسائل الاعلام العربية؟
لكن مسألة الاغتيال بحد ذاتها جريمة ، وهي سياسية بامتياز ، الامر الذي يفترض ان تتدخل السياسة في تفاصيلها ومعالجتها وضمان عدم تكرارها ، وقبل ذلك معاقبة "اسرائيل" ومحاسبتها عليها - سياسيا على الأقل - ، واذا كانت دول مثل بريطانيا وفرنسا قد فعلت جزءا من الواجب الذي يتعلق برد الاعتبار "لجوازاتها" المزورة ، فان بعض دولنا العربية لم تبادر حتى الى ادانة ما حدث ، فيما انشغل اخواننا الفلسطينيون في خلافاتهم ، ووجدوا - للاسف - في "المناسبة" فرصة لنبش الملفات وتعظيم الخلافات والانقسامات ، فيما لا شك بأن "ثمة" أصابع فلسطينية ، كانت شريكة في العملية ، كما اشارت الى ذلك التحقيقات الاولية ، مما يعني ان "الانتفاضة" الثالثة التي أشار اليها رئيس شرطة دبي ، لاعادة "بناء" البيت الفلسطيني أصبحت ضرورية.
لكن من المؤسف ، ان اصواتنا المبحوحة التي كشفتها عملية اغتيال المبحوح ، سواء كانت بسبب غياب الفعل السياسي العربي ، أو بسبب غياب "المصالحة" بين اخواننا الفلسطينيين ، او بسبب القهر الذي يعاني منه انساننا العربي في ظل الغطرسة الصهيونية ، هذه الاصوات لن تتحرر من "غصتها" ومراراتها واحساسها "باللاجدوى" من الارسال الا اذا وجدت من يستقبلها.. ويأخذها على محمل الجد ، ترى من يحرر اصواتنا وافعالنا من هذه "البحة" المقهورة؟،