على مدى العقود الأخيرة شهدت منطقة الشرق الأوسط تصاعدًا غير مسبوق في التوترات الجيوسياسية ، حيث بات الصراع المتفاقم بين إيران وإسرائيل محورًا رئيسيًا لهذه الاضطرابات ، وسط هذه المعادلة المعقدة، ويبرز الدور المحوري للولايات المتحدة، ليس فقط كحليف استراتيجي لإسرائيل، بل كضامن لأمن العديد من دول الخليج ، وتُظهر السياسة الأمريكية في المنطقة اهتمامًا واضحًا بالحفاظ على نفوذها من خلال شبكة واسعة من القواعد العسكرية التي أصبحت بمثابة عمود فقري لاستراتيجيتها الأمنية ، حيث
تُعتبر منطقة الخليج العربي القلب النابض للوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث تتوزع القواعد العسكرية الأمريكية على عدد من الدول الخليجية ، كما و يتواجد أكثر من 30 ألف جندي أمريكي في هذه القواعد ، مدعومين بأحدث المعدات الدفاعية والقاذفات المتقدمة ، مما يمنح الولايات المتحدة قدرة على الرد الفوري على أي تهديدات محتملة ، ومن بين هذه القواعد، تأتي قاعدة "العديد" في قطر في مقدمة المشهد، كونها الأكبر في المنطقة وتستضيف القيادة المركزية الأمريكية، ما يجعلها محورًا لأي تحرك عسكري أمريكي في الشرق الأوسط ، ومع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، ظهرت تحديات جديدة أمام هذه الشراكات الاستراتيجية ، فقد بدأت دول الخليج تُبدي تحفظات متزايدة بشأن استخدام أراضيها لتوجيه ضربات هجومية، خوفًا من ردود الفعل الإيرانية التي قد تجر المنطقة إلى حرب شاملة ، وجاءت التحذيرات الإيرانية الصريحة لتزيد من الضغط على هذه الدول، التي تجد نفسها الآن في موقف لا تُحسد عليه ، من خلال: كيف يمكنها الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة دون أن تصبح ساحة لصراع بين القوى الإقليمية الكبرى؟!! ورغم التزام الولايات المتحدة بتوفير الأمن لحلفائها في الخليج، فإن تحديات جديدة تبرز فيما يتعلق بحدود التدخل الأمريكي، خاصة في ظل التحفظات الخليجية على المشاركة المباشرة في أي مواجهة عسكرية مع إيران ، و وفقًا لتقارير عديدة، بدأت بعض الدول الخليجية في اتخاذ خطوات لتقييد استخدام قواعدها في أي هجمات محتملة ضد إيران، ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أمريكيين أن بعض هذه الدول أبلغت وزارة الدفاع الأمريكية بأنها لن تسمح بشن عمليات هجومية من أراضيها، رغم أن القوات الأمريكية تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها ،و
هذا الواقع يضع الولايات المتحدة أمام معضلة كبرى: فمن ناحية ، تسعى واشنطن للحفاظ على علاقاتها القوية مع دول الخليج، التي تُعتبر حيوية لاستراتيجيتها في الشرق الأوسط ، ومن ناحية أخرى، تواجه تصاعدًا في التوترات بين إسرائيل وإيران، ما يثير تساؤلات حول مدى تورط الولايات المتحدة في أي مواجهة محتملة ، فالدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل قد يجر واشنطن إلى صراع لا تريده، خاصة في ظل الضغوط الخليجية المتزايدة لتجنب الانجرار إلى نزاع إقليمي قد يضر باستقرار المنطقة ككل ، ومن جانبها، تواجه دول الخليج تحديًا مزدوجًا: فهي تسعى للحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، لكنها تدرك في الوقت نفسه أن التورط في صراع مباشر مع إيران قد يكون كارثيًا على استقرارها الداخلي ، وهذه الدول، التي ترتبط بعلاقات قوية مع واشنطن، تجد نفسها اليوم بين مطرقة الحفاظ على تحالفاتها وسندان تجنب أن تتحول إلى ساحة حرب ، وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو الحاجة ماسة لإعادة تقييم ترتيباتها العسكرية مع الولايات المتحدة ، والقواعد العسكرية الأمريكية في الخليج إن كانت عنصرًا محوريًا في استراتيجية الردع الإقليمية ، إلا أنها أصبحت أيضًا مصدرًا للتوترات المتزايدة ، ومع أن التواجد العسكري يمنح واشنطن مرونة في التصدي لأي تهديدات، إلا أن تكلفة هذا التواجد السياسي والأمني قد ترتفع في حال اندلاع نزاع جديد ، وبين تصاعد التهديدات الإيرانية وضغط التحالفات الاستراتيجية، تقف الولايات المتحدة عند مفترق طرق في الشرق الأوسط ، ويبقى السؤال الأهم: كيف ستتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على توازن دقيق بين حماية مصالحها الاستراتيجية واستقرار المنطقة؟!! في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، بالتالي سيكون على واشنطن ودول الخليج التعامل بحذر شديد مع هذه التحديات، لضمان حماية التحالفات الإقليمية دون الانجرار إلى حروب جديدة قد تكون مكلفة للجميع ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .