في سابقة فريدة من نوعها في التاريخ الأمريكي، أعيد انتخاب الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، رغم كونه متهماً بجرائم جنائية ومتورطاً في العديد من القضايا القضائية ، ويعود ترامب إلى الساحة السياسية الأمريكية محاطاً بملفات معقدة، تتضمن قضية الأموال السرية في نيويورك، إضافة إلى قضايا أخرى متعلقة بالولاية والقضاء الفيدرالي ، وعودته رغم هذه التهم تسلط الضوء على أبعاد عميقة في النظام السياسي والقانوني الأمريكي، وتطرح تساؤلات غير مسبوقة حول مستقبل السياسة الأمريكية وكيفية تعامل المجتمع مع هذا الوضع الاستثنائي ، فعادةً ما يكون المرشحون للرئاسة في الولايات المتحدة على مستوى عالٍ من الشفافية القانونية والسياسية، إلا أن ترامب يشكل حالة استثنائية بامتياز ، حيث وُجهت له عدة تهم جنائية، وهو ما يضع النظام القضائي الأمريكي أمام تحدٍ كبير، إذ لم يسبق أن وُجهت تهم لرئيس أمريكي أثناء حملته الانتخابية، ناهيك عن إعادة انتخابه ، ويتوقع أن يعمل فريق ترامب القانوني على استراتيجيات تأخير المحاكمات، والتي بدأت فعلياً في إظهار بعض الفاعلية ، و تقول جيسيكا ليفينسون، أستاذة القانون الدستوري في كلية لويولا للحقوق: "من الواضح أن الدفع بقوة لتأخير هذه القضايا لأطول فترة ممكنة قد أتى بثماره" ، وتؤكد أن هذه الاستراتيجية لها أهمية في الوقت الذي يعتبر عاملاً جوهرياً في تحديد مخرجات القضايا المرفوعة ضد الرئيس ، ولعل التحدي الأكبر أمام القضاء الآن يتمثل في كيفية تحقيق العدالة دون تأجيج الاستقطاب السياسي الحاد، حيث إن هذه القضايا لم تعد مجرد معركة قضائية، بل باتت جزءاً من الخطاب العام ومنصة للانتقادات والمناصرة في آن واحد ، ويبدو أن انتخاب رئيس وهو قيد الاتهام يعكس تحولاً في نظرة بعض الناخبين الأمريكيين إلى مفهوم "المسؤولية الأخلاقية" و"القيم السياسية" ، وربما اعتاد الأمريكيون على فضائح سياسية أو أخلاقية لرؤسائهم، لكن انتخاب رئيس يواجه تهماً جنائية يفتح باب التساؤلات حول مدى قدرة النظام السياسي على الحفاظ على المعايير الأخلاقية في الحكم ؟!! لقد ساهمت التحولات الثقافية في المجتمع الأمريكي، وازدياد حدة الاستقطاب الحزبي، في تغيير تصورات الناخبين حول ما يُعتبر مقبولاً أخلاقياً وقانونياً ، فبينما ينظر معارضو ترامب إلى انتخابه مجدداً كإشارة خطيرة على تآكل الأعراف الديمقراطية، يرى أنصاره أن الحملات القضائية ضده ما هي إلا محاولة لتقويض إرادة الشعب ومنع قائد شعبي من العودة إلى السلطة ، وهنا لا بد من التوقف عند آثار التهم الجنائية على شرعية السلطة ، حيث تمثل عودة ترامب للبيت الأبيض بالرغم من التهم الموجهة إليه تحديًا لشرعية السلطة في الولايات المتحدة ، فالقائد الذي يُنتخب بينما لا تزال قضايا جنائية معلقة ضده يواجه صعوبة في الحفاظ على احترام النظام القضائي والمبادئ الدستورية التي تميز النظام الأمريكي ، كما ويثير الوضع تساؤلات حول قدرة الرئيس على الحكم بفاعلية في ظل متابعات قضائية قد تستمر لسنوات ، وفي هذا السياق، ربما يؤدي هذا الوضع إلى تشجيع إصلاحات قانونية ودستورية تنظم كيفية التعامل مع رؤساء محالين للمحاكمة، إذ ليس من المستبعد أن يثير انتخاب رئيس متهَم جدلاً حول الحاجة إلى قوانين جديدة تضمن نزاهة المنصب واستقلالية القضاء ، وعلى الرغم من كل ما قيل فإن الكثير من الدروس المستفادة للناخب الأمريكي والنظام السياسي ، سيما وأن هذه الحادثة ستفتح آفاقًا جديدة للنقاش حول ما إذا كان بإمكان النظام السياسي الأمريكي التكيف مع ظاهرة قيادة "خارج المعايير" من رئيس ذو خلفية قضائية معقدة ، ومن المرجح أن تكون هذه الانتخابات نقطة تحول في تاريخ الديمقراطية الأمريكية، حيث يرى المحللون أن النظام السياسي يجب أن يطور آليات للتعامل مع حالة رئيس محال للمحاكمة، حفاظاً على مصداقية المؤسسات الديمقراطية والثقة الشعبية ، وبالمجمل، إن عودة ترامب للبيت الأبيض وهو متهم جنائياً يشكل تحدياً غير مسبوق، وستبقى هذه الحالة مادة غنية للتحليل السياسي والقانوني لسنوات عديدة ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .