قانون عام يحكم كل الأنظمة الديمقراطية وهو دورة النخبة، بمعنى تخير النخب السياسية الحاكمة مع كل دورة انتخابية، وقد يكون التغير كبيرا إن وصل للسلطة غير الحزب الحاكم، ويكون محدودا في حالة فوز نفس الحزب، زفي جميع الحالات يكون التغيير في البرامج التي تخص السياسات الداخلية العامة كالصحة والتعليم والأجور وقضايا البيئة والهجرة، ولكن دورة النخبة وتغيير الأحزاب والوجوه لا يواكبه بنفس الدرجة تغيير في استراتيجية الدولة وعلاقاتها الدولية.
بالنسبة للانتخابات الأمريكية فتعاقب الإدارات والنخب على السلطة ما بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري يؤثر بشكل أكبر على السياسات العامة الداخلية وهي القضايا التي تهم الجمهور الأمريكي بدرجة كبيرة أم ما يتعلق بالسياسة الخارجية فهي من اختصاص الدولة العميقة التي لا تتأثر كثيرا بسياسات ورغبات الحزب الحاكم أو الرئيس المُنتخب الذي يأتي للسلطة لمدة محدودة وقد لا يُكمل الرئيس مدته لسبب من الأسباب.
الثابت في العلاقات الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية هو التزام بأمن إسرائيل وضمان تفوقها عسكرياً على كل الدول في الشرق الأوسط، والمتغير هي الحكومات والرؤساء في الدولتين. ومن يتابع سياسة واشنطن تجاه القضية الفلسطينية منذ قيام دولة إسرائيل سيلاحظ هذا الالتزام تجاه إسرائيل ليس بتأثير اللوبي اليهودي أو المال اليهودي في أمريكا بل لأن وجود إسرائيل قوية مصلحة لواشنطن والغرب عموماً.
ومن هنا نلاحظ المنحى التصاعدي للعلاقة بين الطرفين بغض النظر عن الحزب الحاكم، فلم يكن عهد الديمقراطيين زمن أوباما وبايدن أفضل من موقف وسياسة ترامب خلال السنوات الأربعة لحكمه بل بنى بايدن سياسته تجاه الشرق الأوسط وفلسطين على ما أنجزه ترامب ،مثلا لم يتراجع بايدن عن قرار نقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس أو عن السلام الإبراهيمي وسياسة تشجيع التطبيع بين إسرائيل والدول العربية أو تجاه قرار إسرائيل ضم الجولان أو استمرار رفض قيام دولة فلسطينية الخ،بل في عهد أوباما كان التمهيد لكل الانهيارات (الربيع العربي) في المحيط العربي وانهيار عدة دول عربية وانتشار الفوضى والحروب الأهلية وصعود الإسلام السياسي، وهو ما ساعد نتنياهو على التطرف في سياساته وساعدت ترامب على طرح صفقة القرن والتطبيع ونقل السفارة دون الخشية من أي ردة فعل عربية.
التغيير في هذه العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين لن يتأتى من أي من الحزبين بل من التحولات في الرأي العام الأمريكي وخصوصا فئة الشباب خلال الحرب على غزة وانكشاف زيف الرواية الصهيونية وإجرام دولة الاحتلال، هذا التغيير في الرأي العام قد يكون بطيئا ولكن أي إدارة أمريكية ستأخذه بعين الاعتبار في السنوات القادمة، حتى ترامب نفسه وبالرغم من دعمه اللامحدود لإسرائيل واليمين الصهيوني لن يتجاهل ما يجري داخل الرأي العام وعند جيل الشباب، وبالتالي من المتوقع اتخاذ خطوات لا ترضي تماما اليمين الصهيوني ونتنياهو .
ما يمكن أن يفعله ترامب وخصوصا بعد أن اعلن أنه سينهي كل الحروب في العالم ،قد يكون عودة صفقة القرن ولكن بصيغة تربطها بحديث عن حراك سياسي لتسوية سياسية حتى يتم امتصاص الغضب على واشنطن ولتشجيع الرياض ودول أخرى على التطبيع، ولكن الخشية أن يلجأ نتنياهو قبل تسلم ترامب السلطة في يناير القادم إلى خطوات دراماتيكية مثل الإعلان عن ضم الضفة الغربية أو مناطق واسعة منها، أو الشروع في بناء الهيكل في المسجد الأقصى أو تهجير قسري للفلسطينيين من قطاع غزة، وإقليميا قد يقوم بضربة قوية لإيران أو ضرب المطار والميناء في بيروت ويترك لترامب ترميم الوضع، هذا إن لم تنهار الحكومة في إسرائيل بتشجيع من الإدارة الأمريكية الحديدة.
والمهم هل العرب والفلسطينيون مستعدون للتعامل مع إدارة ترامب وسياساته؟ وكيف ستكون علاقة القيادة الفلسطينية مع إدارة ترامب وهي علاقة كانت سيئة جدا معه زمن رئاسته؟ ولماذا ترسل حركة حماس رسائل غير مباشرة لترامب بعد فوزه ولم يصدر أي موقف من الرئاسة تعقيبا على فوز ترامب؟