تفتقر كل الدول العربية عن قصد وإصرار إلى فلسفة تسعى من خلالها لبناء الإنسان ، وضمان استمرار هذه الفلسفة وفاعليتها ، ولا شك بأن نظاما فلسفيا لبناء الإنسان العربي ، سيرتبط بمجموعة من القيم والمبادئ السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية .
إن عملية حشو العقول والافتقار الفكري المتعمد ، أخذ الإعلام العربي الأصفر على كثرته مسؤولية تنفيذها والعمل عليها ، ليصنع بدون أدنى شك إنسانا بلا هدف ولا غاية ، وبلا رؤية ولا بصيرة لكل شؤون الحياة ، وغير قادر على المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية في أمور شتى ، وغير قادر كذلك على البحث ودراسة وتحليل اي حدث يصيب الأمة ، مما يجعله فريسة سهلة لما يريد الإعلام الأصفر حشوه في العقول ومن ثم غسلها .
إن عدم وجود نوايا صادقة من خلال النظام العربي الرسمي لبناء الإنسان في الوطن العربي ، على مدى عقود طويلة مضت ، قد أدى إلى إنتاج أجيال تتسم بالضياع والتشتت والفشل ، والتوجه إلى كل أصناف التفاهة والسخافة التي باتت مقصد غالبية مواطنينا العرب ، وهذا ما يؤدي بطبيعة الحال إلى عدم الانسجام فيما بين الحياة والإنسان الطبيعي ، ويصنع إنسانا خاليا من كل شغف ، لا يؤثر ولا يتأثر بشيء مما حوله ، وهو ما سيدخله في صراع دائم مع النفس تارة ومع الحياة ذاتها تارة أخرى .
إن الإنسان في كل العالم الحر المتقدم ، هو المحور الرئيس وحجر الأساس في كل شأن من شؤون الحياة ، سياسية كانت او إجتماعية أو تقافية وحتى إقتصادية ، وهو صانع للحضارة ومؤرخ للتاريخ ، وواضع لأبجديات ثقافة الأمة التي ينتمي إليها ، وهو إذا ما أجدنا بناءه وأحسَنّا صنعه ، سيتحول من قالب جامد مسيّر كما يُراد له أن يكون ، إلى إنسان له شأنه وفاعليته ، يُعَبِر من خلالها عن نفسه وعن الجماعة المنتمي إليها .
إن وجود فلسفة عميقة مدروسة ومستدامة لبناء الإنسان العربي ، سيمنحنا أجيالا إنسانية عميقة في الفكر والتفكر والتدبر والسلوك ، وتكوين شخصية فكرية هادفة ، وسيمنحنا مجموعات بشرية تدرس الماضي وتستوعب الحاضر وترسم المستقبل .
والحالة هذه ، مع تقصير النظام العربي الرسمي ووسائل الإعلام بكافة صنوفها ، كان وما يزال لزاماً على الإنسان العربي نفسه البحث عن سبل تشق طريقه نحو التقدم والرقي وتطوير الذات والبناء العقلي ...
عصمت أرسبي