ثمّة غرابة تبلغ حدّ الطرافة في ما يكشف من معلومات عن أخطاء استدعت التعديل في الموازنة؛ سواء أكان للعام 2009 أو العام 2010، وكلاهما من ميراث الحكومة السابقة التي تُختصر في هذا الشأن برئيس الوزراء ووزير المالية، فما يقارب نصف الحكومة الماضية موجود في الحالية وهم طبعا متفاجئون بما يقال الآن ربما مثل بقية زملائهم في الحكومة السابقة، بل ربما مثل رئيسها، ويبقى وزير المالية السابق د. باسم السالم وحده موضع المساءلة وربما بدرجة ما سلفه الكساسبة، فهو قطع جزءا من شوط موازنة العام 2009، ومن يدري لعلّ السالم نفسه يتفاجأ بما تقدمه الحكومة الحالية من كشوف عن إغفال نفقات والتزامات بين عامي 2009 و2010. ولو كان السالم من الحزب الذي انتقل من السلطة الى المعارضة بموجب نتائج انتخابات قادت الحزب الخصم إلى الحكومة لأثار جدلا عاصفا حول تلاعب الحكومة الحالية بالأرقام أو الحقائق لتشويه حقبة حكم الحزب السابق، ولرأينا سجالات حامية يتبادل فيها الطرفان المساجلة حول صحة الحسابات، لكن وفق التقاليد الأردنية تمنع موجبات التحفظ وزيرا سابقا وخصوصا في مجال المالية من أن ينبس ببنت شفة، لكن ما حصل هذه المرّة يصعب كثيرا السكوت عنه، هذا اذا كان لدى الوزير السابق رأي آخر. وبالنسبة لنا كمراقبين لدينا فضول عادل ان نسمع دفاعا أو توضيحا ما.
الحكومة الحالية أقرت ملحقا لموازنة العام 2009 بمبلغ 305 ملايين دينار لتغطية نفقات لم يحسب حسابها في الموازنة الماضية وقدمت تفاصيل تلك النفقات، وهي مع بنود أخرى في مجالي ارتفاع النفقات وانخفاض الإيرادات رفعت العجز الى بليون ونصف البليون دينار من أصل 685 مليون دينار العجز الأصلي المتوقع عندما أقرت الموازنة مطلع العام 2009، ثم أصدرت الحكومة الحالية ملحقا لموازنة العام 2010 بمبلغ 165 مليون دينار لنفقات أغفلت في الموازنة. وكما قلنا فالأمر يصل حدّ الطرافة عندما نقرأ إغفال بنود مثل "جزء من رواتب التربية والتعليم، جزء من رواتب البلديات، مخصصات صندوق المعونة الوطنية. ." !! وهنا أيضا فإن تصويب جانبي الإيرادات والنفقات يرفع العجز المتوقع إلى بليون و105 ملايين دينار، وبهذين العجزين سترتفع المديونية الأردنية العتيدة الى ما يقارب سقف 11 بليون دينار.
لعلنا عند هذا الحدّ يمكن أن نجيب عن سؤال المواطن الذي تحدث عنه رئيس التحرير قبل أيام "بدّي أعرف وين راحت المصاري" ! راحت على تمويل عجز الموازنة السنوي الذي يراوح كل عام بين نصف بليون الى بليون دينار، وهو عجز موّل النمو ما دامت الموازنة تشكل 55 % من الناتج الوطني الإجمالي وهي من أعلى النسب في العالم. ولعلّ السؤال الأدق هو ليس أين المال بل كيف أنفق، ولهذا حديث آخر.