الوضع الراهن في سوريا ولبنان يعكس تداخلًا معقدًا بين الأهداف الإقليمية والدولية، في إطار محاولات متسارعة لإعادة صياغة خارطة النفوذ في الشرق الأوسط، والتي تسعى لإعادة تشكيل المشهد السياسي والجيوسياسي في المنطقة .
التطورات الأخيرة، سواء على الجبهة اللبنانية أو داخل الأراضي السورية، تشير إلى ديناميات استراتيجية تسعى من خلالها القوى الكبرى إلى فرض واقع جديد يخدم مصالحها طويلة الأمد.
وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني يبدو كخطوة محسوبة تهدف إلى إبعاد حزب الله عن المناطق المحاذية لإسرائيل، حيث تسعى تل أبيب لضمان أمن مستوطناتها عبر إنشاء منطقة عازلة خالية من أي وجود عسكري للحزب جنوب نهر الليطاني. الضربات الإسرائيلية المكثفة على القرى الحدودية والبنية التحتية في الضاحية الجنوبية تبرز هذا الهدف، في محاولة لإضعاف قدرات حزب الله العسكرية ودفعه إلى التحول تدريجيًا من قوة إقليمية عسكرية إلى فاعل سياسي داخلي ضمن المشهد اللبناني. هذا التحول المحتمل قد يساهم في تقليص تأثير الحزب على السياسة اللبنانية، ما يفتح الباب أمام تسويات جديدة قد تعيد ترتيب المشهد السياسي في البلاد.
في سوريا، التحركات السريعة للمعارضة المسلحة في إدلب وحلب تعكس تنسيقًا دوليًا عالي المستوى بين الولايات المتحدة، إسرائيل، وتركيا، حيث يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه الخاصة، الولايات المتحدة وإسرائيل تنظران إلى هذا التحرك كفرصة لإضعاف النظام السوري وحلفائه، لا سيما إيران وحزب الله، في حين تركز تركيا على تعزيز نفوذها الإقليمي وتأمين حدودها الجنوبية عبر دعم فصائل المعارضة وإقامة مناطق نفوذ تخدم مصالحها الاستراتيجية.
من جهة أخرى، الامتناع المستمر للنظام السوري عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية بحجة نقل الأسلحة الإيرانية، يكشف عن رغبته في تجنب أي تصعيد قد يفاقم وضعه الهش في مواجهة التحديات الداخلية.
التطورات على الأرض تفتح المجال لعدة سيناريوهات محتملة. #السيناريو_الأول يتمثل في محاولة إسقاط النظام السوري واستبداله بآخر أكثر توافقًا مع المصالح الغربية والإقليمية، بما يضمن تحقيق التوازنات الجديدة التي تسعى لها القوى الكبرى؛ أما #السيناريو_الثاني فيتعلق بمشروع تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة بناءً على أسس عرقية وطائفية، وهو مخطط قديم تم الترويج له من قبل بعض الدوائر الغربية والإسرائيلية، حيث يؤدي هذا السيناريو إلى إضعاف الدولة السورية وتحقيق التفوق الاستراتيجي لإسرائيل في المنطقة؛ #السيناريو_الثالث يرتكز على إبقاء المنطقة في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، ما يتيح للقوى الخارجية استمرار التدخل وتوظيف الأزمات لخدمة مصالحها.
ما يجري في سوريا ولبنان ليس سوى فصل من فصول إعادة تشكيل الشرق الأوسط ضمن إطار "الفوضى الخلاقة" التي تهدف إلى تحقيق الهيمنة الغربية والإسرائيلية، وتقويض أي تحالف إقليمي قد يشكل تهديدًا لمصالحهما .
في ظل هذه التحولات، يبقى مستقبل المنطقة معلقًا بين محاولات السيطرة الخارجية وقدرة شعوبها على استعادة زمام المبادرة لمواجهة التحديات وإعادة بناء دولها على أسس من الاستقلال والاستقرار.
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي