في الساعات الـ72 الماضية، تصاعدت حدة المواجهات في الشمال السوري بشكل دراماتيكي مع إطلاق فصائل المعارضة المسلحة عملية "ردع العدوان". تأتي هذه العملية كتحرك استباقي ضد النظام السوري وحلفائه، الذين زادوا من قصفهم لمناطق إدلب وريف حلب الغربي. تُعدّ العملية الأوسع منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 2020، وتمكنت خلالها المعارضة من تحقيق اختراقات ميدانية بارزة.
المعارك شهدت استيلاء الفصائل على مواقع استراتيجية، ابرزها ريف حلب و أجزاء كبيرة من مدينة حلب و الطريق الدولي بين حلب ودمشق، إلى جانب بلدات أخرى حيوية. هذه الانتصارات الميدانية تحمل في طياتها رسالة سياسية واضحة؛ المعارضة، رغم سنوات من التراجع والضغوط، لا تزال تمتلك القدرة على قلب المعادلات. لكن هذه المكاسب جاءت بتكلفة إنسانية باهظة، إذ قوبلت برد عنيف من النظام السوري وحلفائه، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين وتشريد آلاف العائلات.
التطورات الأخيرة تعكس ديناميكيات جديدة في الصراع. النظام السوري، الذي يواجه أزمة اقتصادية خانقة، قد يجد نفسه في وضع أصعب إذا استمر فقدانه لمزيد من المناطق الاستراتيجية. على الجانب الآخر، تواجه المعارضة تحديات كبرى للحفاظ على تماسكها الداخلي وتأمين الدعم اللازم لتعزيز مكاسبها.
اللافت في هذه الجولة من التصعيد هو الترابط الإقليمي والدولي؛ فقد جاءت العملية في وقت تزداد فيه التوترات بين تركيا وروسيا، وكلاهما يلعب دورًا مؤثرًا في المعادلة السورية. تركيا، الداعم الأساسي لبعض فصائل المعارضة، تسعى لتحقيق توازن دقيق بين دعمها للفصائل وضمان مصالحها المشتركة مع موسكو، وهو ما يعقّد الحسابات العسكرية والسياسية لجميع الأطراف.
على الصعيد الإنساني، الوضع لا يزال مأساويًا. المدنيون هم المتضرر الأكبر من هذا التصعيد، مع استمرار استهدافهم في المناطق السكنية والمخيمات. التقارير تشير إلى استخدام النظام السوري أسلحة محرمة دوليًا، ما يزيد من فداحة الوضع ويؤكد غياب أي التزام بالمواثيق الإنسانية.
في النهاية، يُظهر هذا التصعيد أن الحرب السورية بعيدة عن نهايتها. الصراع في الشمال السوري ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل ميدان لتصفية حسابات دولية وإقليمية، حيث تتحرك الأطراف الفاعلة بناءً على مصالحها الاستراتيجية. وفي ظل غياب أي أفق سياسي واضح، يبقى الشعب السوري يدفع الثمن الأكبر لهذه الحرب الممتدة.