ان تجدد الثورة السورية له اهدافه وتأثيراته الإقليمية والدولية
على الرغم من مرور أكثر من عقد على اندلاع الثورة السورية في عام 2011، تعود الاحتجاجات الشعبية لتظهر مجددًا في بعض المناطق السورية، مما يعكس استمرار إرادة الشعب في السعي نحو التغيير. ورغم ما تعرضت له الثورة من قمع وحشي وانقسامات داخلية وتدخلات خارجية معقدة، فإن هذا الزخم الجديد يعيد تسليط الضوء على القضية السورية، ليس فقط من حيث المطالب الشعبية، بل أيضًا من حيث التأثيرات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تترتب عليها.
إن تجدد الثورة السورية لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة حتمية لتراكم عوامل متعددة أثقلت كاهل الشعب السوري. فمنذ البداية، اعتمد النظام السوري على القمع الممنهج كأسلوب لإخماد أي صوت معارض. ومع استمرار هذه السياسات القمعية، تفاقمت الأزمات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، حيث بات المواطن السوري يعاني من انهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية وانعدام الخدمات. ولم تتوقف المعاناة عند هذا الحد، بل زادت حالة الجمود السياسي من الإحباط الشعبي، حيث فشلت جميع المحاولات الدولية لإيجاد حل سياسي حقيقي للأزمة.
ورغم أن المجتمع الدولي أصدر قرارات أممية مهمة مثل قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وإطلاق عملية انتقال سياسي بقيادة سورية، إلا أن هذه القرارات بقيت حبرًا على ورق بسبب تعنت النظام ودعم حلفائه، لا سيما روسيا وإيران. وعلى الصعيد العربي، أُعيد النظام السوري إلى جامعة الدول العربية في مايو 2023، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين معارضي النظام وداعمي الثورة، خاصة وأن هذه العودة لم تؤدِ إلى أي تغيير ملموس في سلوك النظام أو سياساته تجاه الشعب السوري.
في ضوء هذه الظروف، تجددت الاحتجاجات في مناطق مثل السويداء ودرعا، حاملة نفس الأهداف التي انطلقت من أجلها الثورة منذ البداية، ولكن مع تركيز أكبر على معالجة المعاناة اليومية للسوريين. إذ يطالب المحتجون بإسقاط النظام القائم باعتباره مصدر الأزمات المتراكمة، وبناء دولة مدنية ديمقراطية تحقق العدالة وتضمن سيادة القانون. كما يرفض الحراك الشعبي الجديد بشكل واضح الهيمنة الأجنبية التي عززت نفوذ قوى مثل إيران وروسيا على حساب السيادة الوطنية.
ولا يمكن فصل الحراك السوري عن التأثيرات الإقليمية التي تترتب عليه، حيث أن الأزمة السورية كانت دائمًا نقطة محورية للصراعات الإقليمية والدولية. ومع عودة الاحتجاجات الشعبية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تصاعد التوترات بين القوى المتدخلة في الشأن السوري. على سبيل المثال، تركيا، التي تستضيف ملايين اللاجئين السوريين وتدعم المعارضة المسلحة في الشمال، قد تجد نفسها أمام تحديات إضافية إذا تصاعدت الأوضاع. أما لبنان، الذي يعاني أصلًا من أزمات سياسية واقتصادية خانقة، فقد يتأثر بشكل مباشر بأي اضطرابات جديدة في سوريا، لا سيما بسبب العلاقات المتشابكة بين البلدين.
علاوة على ذلك، يعكس تجدد الحراك الشعبي رسالة مهمة إلى شعوب المنطقة مفادها أن المطالبة بالحقوق والتغيير ليست مستحيلة، حتى في ظل أصعب الظروف. هذه الرسالة قد تلهم حركات احتجاجية مشابهة في دول تعاني من أوضاع مشابهة، مما يعزز احتمالية حدوث موجة جديدة من المطالبات الشعبية بالتغيير في المنطقة.
ومع ذلك، فإن هذا التجدد للثورة يواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فمن الداخل، تعاني المعارضة السورية من انقسامات حادة وضعف في التنسيق، مما يضعف قدرتها على استثمار الزخم الشعبي الحالي. أما على الصعيد الخارجي، فإن استمرار دعم قوى كبرى مثل روسيا وإيران للنظام يجعل تحقيق أي تغيير سياسي أكثر تعقيدًا، خاصة في ظل التوازنات الدولية الراهنة.
وبالنظر إلى القرارات الدولية المتعلقة بسوريا، مثل تلك التي تنظم إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، فإن هذه القرارات، على أهميتها، لم تكن كافية للتخفيف من معاناة المدنيين أو لدفع النظام نحو تقديم تنازلات سياسية. ومع استمرار تعنت النظام وتراخي المجتمع الدولي في تنفيذ قراراته، تبدو آفاق الحلول السياسية مسدودة في الوقت الحالي، مما يعزز أهمية الحراك الشعبي في إعادة تشكيل المشهد السوري.
في النهاية، يمثل تجدد الثورة السورية دليلًا على أن إرادة الشعب في الحرية والكرامة لا يمكن كسرها بسهولة، مهما طال أمد القمع والمعاناة. ورغم أن الطريق نحو تحقيق هذه الأهداف لا يزال مليئًا بالعقبات، فإن استمرار الحراك يعيد تسليط الضوء على القضية السورية، ليس فقط كسعي نحو التغيير الداخلي، بل كعامل مؤثر في مستقبل الشرق الأوسط بأكمله. الثورة السورية ليست مجرد حدث محلي، بل هي انعكاس لصراع أكبر بين إرادة الشعوب في تقرير مصيرها وبين الأنظمة التي تحاول كبح هذه الإرادة، مما يجعلها قضية محورية في صياغة معادلات القوة الإقليمية والدولية لعقود قادمة.