تعيش الساحة السورية اليوم واقعًا معقدًا يعكس تنازع المصالح الإقليمية والدولية ، فمع إعلان المعارضة السورية إطلاق هجومها الأخير على قوات النظام، عادت المعارك إلى الواجهة في مشهد يثير العديد من التساؤلات حول توازن القوى والتوقيت ، وقد
أعلنت فصائل المعارضة عبر منصات التواصل عن بدء هجوم واسع وصفته بأنه "ردع العدوان"، مدعية أن الهجوم جاء ردًا على القصف المدفعي لقوات النظام ، وخلال ساعات، سيطرت على أكثر من 13 قرية، بينها مواقع ذات أهمية إستراتيجية مثل بلدتي أورم الصغرى وعينجارة، إلى جانب الفوج 46، القاعدة العسكرية الأكبر للنظام في غرب حلب ، وفي هذه العمليات، أكدت المعارضة مقتل عشرات من قوات النظام والمليشيات الداعمة لها ، وفي المقابل، رد النظام السوري بشن عشرات الغارات الجوية على مواقع المعارضة، بما فيها مناطق مدنية، تحت مظلة منطقة "بوتين-أردوغان" الخاضعة لاتفاقات التهدئة الروسية-التركية ، و هذا التصعيد يعكس تغييرات محتملة في قواعد الاشتباك التي لطالما شكلت نوعًا من "الهدوء المشروط" بين الأطراف ، والتصعيد الأخير يتزامن مع متغيرات على صعيد التحالفات ، فمن جهة، تحاول روسيا التوسط بين أنقرة ودمشق لتحقيق تقارب يخدم مصالحها، خاصة في ظل التوترات التي تخيم على العلاقة التركية-الأميركية ، ومن جهة أخرى، يأتي الهجوم في أعقاب توافق إسرائيلي-لبناني، ما دفع بعض المراقبين لربط توقيته باستغلال المعارضة لما يعتبرونه "فرصة ضعف" في موقف حلفاء النظام، لا سيما حزب الله ، عموماً المشهد السوري بات مرآة للصراعات الإقليمية والدولية، حيث تتداخل فيه مصالح متعددة ، و النظام السوري يعتمد بشكل كبير على الدعم الروسي والإيراني، في حين تحاول تركيا تأمين حدودها من خلال دعم مجموعات مسلحة شمال البلاد ، وفي الوقت ذاته، تواصل الولايات المتحدة حضورها العسكري في شرق الفرات، مستغلة مبرر مكافحة الإرهاب لتأمين مواقع إستراتيجية وحقول نفطية هامة ، ومع استمرار المعارك، يبدو أن الساحة السورية تتجه نحو استعادة سيناريوهات الصراع الأولى التي ميزت السنوات الأولى من الثورة ، ومع تكثيف الغارات الإسرائيلية داخل سوريا واستمرار التحركات العسكرية على الأرض، يبقى التساؤل حول مدى قدرة النظام على الصمود في ظل تغير خارطة التحالفات ، وفي ضوء هذه التطورات، تبرز تحديات عدة تواجه الأطراف المعنية، ليس فقط على مستوى السيطرة العسكرية، بل أيضًا على صعيد إعادة تشكيل التحالفات وفرض حلول سياسية طويلة الأمد ، تبقى سوريا، برغم كل التغيرات، ميدانًا مفتوحًا لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، فيما يدفع الشعب السوري الثمن الأكبر لهذه الصراعات ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .