أتساءل كثيراً كيف لنا أن نحيا بغير حب، بغير شغف؟ لماذا يتحتم على المرء أحيانًا أن يبني لنفسه سجنًا؟ أولئك الذين يجبرون الاخرين على بناء أقفاصهم بأيديهم! يكسرون قلبا، يحدثون فراغ مفزع يضيق الخناق رغم إتساعه ويخنق الروح رغم فضائها الفسيح، هل يمكن أن يصل المرء في بعض اللحظات إلى أن يفقد الإحساس بكل شيء؟ ماذا يعني إن يصبح قلبك باردا لا تحركه نسمات الصباح الباكر؟ أتساءل كثيراً عن جدوى أن نتنفس ونحن نفقد الجمال في نفوسنا. كلما فقدنا الشغف .. الحب.. اقتربنا من الموت أكثر. لا أريد أن أكون مخلوق مثالي، أو المارد العملاق، ما أريده هو أن أكون إنسان أشعر بإنسانيتي ، لا أريد أن يموت شيئًا في داخلي، أو أن ينطفئ وهجهًا كان ينير قلبي، هذا يعني موتي إكلينيكيا، ما أجملها من متعة روحية أن تنبض القلوب المتحابة على نفس الوتيرة، وذات الإيقاع، أريد أن أشعر بمتعة الحديث، ونهاية اللقاء، حرارة الحب، ودفء الكلمات، وانجذاب الأرواح.
نحن نعيش في عالم طغت فيه المادة على الإنسانية ، وأصبحنا ننسج علاقات دون صدق.. نبض.. حياة.. نبني بيننا حواجز؛ فنخسر الكثير من مشاعرنا.. لماذا يحمل الانسان جبالاً بالحب ولا يحمل حبة قمح مكرهًا.. جملة جميلة جدا توضح وتفسر سبب تمسك الانسان بمجهود ووقت وأحيانا وظيفة، اذا احب العمل الذي يقوم به، يتحمل التحديات والصعوبات، ويبدع ويطور. يقاتل كي يحصل على ما يريد .. في هذه الحياة تعلمت؛ أن أقاتل في سبيل ما أريد، رغم الظروف والعقبات، عليّ أن أذلل الصعاب ما استطعت إلى ذلك سبيلا.. كل ما في الأمر أريد أن أعيش بداية الحب ونصفه وآخره، وأقاتل بشراسة في سبيل ذلك؛ لأنه يجعل لحياتي معنى أن أملك مشاعر صادقة؛ هذا كفيل أن يجعلني أتنفس، أكون حيًا روحًا وجسدًا.
لا أحد يعرف السعادة التي يمتلكها هؤلاء الأشخاص الين يحملون مشاعر صادقة؛ وما أتعس أولئك الذين يقضون حياتهم دون الشعور بـ حياتهم الحقيقية وطبيعتهم البشرية.
أتساءل إذا لم أكتب هذا المقال فان الإنسانية لن تخسر شيئًا. ولكن ما الذي يدفع المرء للإمساك بالورق والقلم ليشرع في الكتابة؟ الإحساس والشعور، احساسي بأنني سأخسر الكثير جدا؛ أن أكون بلا إِدراك، حِسّ، شَفَقَة، شعور، عاطِفة، وَعْي، يعني أنني أضحيت في حاله احتضار، واضمحلال، وتَلاَش، وفي النهاية أصل إلى أن أماثل الجمادات!
أولئك الذين يستثمرون في أنفسهم لا يشيخون! الذين ملئت قلوبهم بالأسرار، لا يقابلون الإساءة بمثلها. يقابلون كل شيء بالحب؛ فهو نهجهم، الكارهون ، الحاقدون، العاجزون عن الحب هم مساكين أهل الدنيا، مهما امتلكوا من مقومات السعادة سيبقى ينقصهم الكمال، وسيكونون دومًا بـ حاجة إلى النور الذي يُضيءُ حياتهم إلى أناس تنقذ أرواحهم لتغرسها في أنهار الحب؛ لأن الإنسان لن يقدر ذاته إلا إذا خلص إلى حقيقته، وأنه بطبعه وتكوينه مجبول على حب الخير والإنجاز والعطاء. فالذين يستثمرون في أنفسهم لا يشيخون!
الدكتورة مريم أحمد أبو زيد