الصراع الدائر في الشمال السوري يُلقي بظلال ثقيلة على المنطقة، بما في ذلك الأردن، الذي يجد نفسه أمام خيارات صعبة بين تهديدات تنظيمات إرهابية متشددة من جهة، وتنامي نفوذ المليشيات الإيرانية من جهة أخرى. يتميز الأردن بموقع جغرافي حساس بين سوريا والعراق وفلسطين، مما يجعله طرفًا غير مباشر في هذه الحرب متعددة الأبعاد.
على الصعيد الأمني، يواجه الأردن تحديًا مزدوجًا؛ فمن جهة، يشكل وجود التنظيمات الإرهابية في جنوب سوريا تهديدًا مباشرًا لحدوده الشمالية. ورغم تراجع نفوذ هذه الجماعات خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال تحتفظ بالقدرة على تنفيذ عمليات إرهابية محتملة. ومن جهة أخرى، يُعزز تنامي نفوذ المليشيات الإيرانية وحزب الله في الجنوب السوري من مخاوف الأردن والمنطقة ككل. لطالما عبّر الأردن عن قلقه من أن يتحول الجنوب السوري إلى قاعدة تهدد أمنه، سواء من خلال تهريب الأسلحة أو المخدرات، وهي ظاهرة شهدت تصاعدًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.
أما التحدي الآخر، فيتعلق بدور الأردن الإقليمي والدولي في هذا الصراع. فبينما يسعى لتجنب الانخراط المباشر، يجد نفسه مضطرًا للتفاعل مع الأطراف المختلفة. على الصعيد الإقليمي، يواصل الأردن التنسيق مع حلفائه التقليديين، مثل السعودية والإمارات، الذين يشاركونه مخاوفهم بشأن النفوذ الإيراني المتزايد. وعلى الصعيد الدولي، يعتمد الأردن بشكل كبير على الدعم الأمريكي والأوروبي، إذ يعتبر استقرار المملكة حجر الزاوية في سياساتهم تجاه الشرق الأوسط.
التحدي الأكثر إلحاحًا يتمثل في التداعيات الإنسانية. فقد استضاف الأردن بالفعل أكثر من مليون لاجئ سوري، مما فرض ضغوطًا هائلة على موارده المحدودة. ومع تجدد الصراع في الشمال السوري، تلوح في الأفق مخاوف من موجة لجوء جديدة قد تعمّق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل المملكة.
يسير الأردن على حبل مشدود، محاولًا حماية حدوده وضمان استقراره الداخلي، وفي الوقت ذاته السعي للعب دور إيجابي في تهدئة التوترات الإقليمية. يعكس هذا الموقف الحذر وعي القيادة الأردنية بحساسية المرحلة، حيث إن الانحياز إلى طرف معين قد يؤدي إلى عواقب خطيرة، سواء على مستوى العلاقات الإقليمية أو الوضع الداخلي.
يُعدّ الصراع في الشمال السوري نموذجًا لتعقيد السياسة في المنطقة، وبالنسبة للأردن، تتجسد المعضلة في تحقيق التوازن بين التصدي لتهديدات الإرهاب من التنظيمات الناشطة على الأرض السورية ومواجهة محاولات إيران لترسيخ نفوذها قرب حدوده. في ظل هذه التحديات، يبقى الأمل معقودًا على أن تساهم الجهود الدولية والإقليمية في التوصل إلى حلول تُخفف من الضغط على المملكة وتُعيد الاستقرار إلى المنطقة.