الوضع في سورية اليوم يشهد حالة من الفوضى المتجددة، حيث تعود الجماعات المسلحة إلى الساحة، وتظهر بوادر لصراعات إقليمية ودولية تتشابك على الأرض السورية. النشاط المفاجئ لتنظيم "داعش" في بعض المناطق، وعودة الاقتتال بين الجماعات المسلحة المدعومة من أطراف إقليمية ودولية، يشيران إلى أن سورية لا تزال بعيدة عن أي استقرار سياسي أو أمني. ويبقى الجنوب السوري، القريب من الحدود الأردنية بؤرة قلق متزايد، حيث يواجه خطر انفجار الأوضاع مجددًا، خاصة مع انهيار الاتفاقيات السابقة لخفض التصعيد وغياب أي ضمانات للحفاظ على الاستقرار
مع عودة التصعيد في شمال سورية، واحتمالات تمدده إلى مناطق أخرى، بما فيها الجنوب السوري المحاذي للأردن، يتعقد المشهد الإقليمي وتتزايد التحديات أمام المملكة، ويتصدر المشهد الحديث عن مخاوف من موجة لجوء جديدة قد تضيف أعباء إضافية إلى ملف اللجوء السوري الذي أرهق الأردن على مدار أكثر من عقد.
.
في هذا السياق، تقف الأردن أمام تحديات مصيرية، الحدود الشمالية الممتدة على مئات الكيلومترات أصبحت معبرًا ليس فقط للاجئين، ولكن أيضًا لنشاط شبكات تهريب المخدرات والجماعات المسلحة وتتزايد المخاوف من تسلل هذه الجماعات إلى الداخل الأردني، خاصة مع وجود محاولات واضحة من أطراف إقليمية، مثل إيران، لاستغلال الجنوب السوري كورقة ضغط على الأردن والمجتمع الدولي. في الوقت نفسه، يخشى الأردن من تداعيات التصعيد الإقليمي، حيث تشير الحسابات إلى أن المنطقة بأكملها قد تتحول إلى ساحة صراع مفتوحة بين القوى الدولية والإقليمية، مع استهداف واضح لإضعاف النفوذ الإيراني والروسي في سورية.
بالنسبة للأردن، فإن التحديات ليست محصورة فقط في ملف اللجوء، بل تمتد إلى الأبعاد الأمنية والسياسية. المملكة التي تحملت أعباء استقبال أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري تواجه اليوم احتمال موجة لجوء جديدة، وهو ما سيضغط بشكل كبير على مواردها المحدودة. في الوقت ذاته، يبقى السيناريو الأسوأ هو تدهور الأوضاع في الجنوب السوري بشكل يجبر الأردن على التدخل المباشر، سواء عبر إقامة مناطق آمنة أو تعزيز التدابير العسكرية على الحدود. هذا الخيار، رغم كونه ضرورة أمنية، يحمل معه مخاطر كبيرة، سواء من حيث التكلفة أو الانخراط في صراعات لا نهاية لها.
الأردن يدرك تمامًا أن أزمته مع الملف السوري تتجاوز الجانب الإنساني إلى أبعاد استراتيجية. الحفاظ على أمنه القومي يتطلب موازنة دقيقة بين حماية حدوده وتجنب التورط في أي مواجهات مباشرة. في الوقت نفسه، يحتاج الأردن إلى دعم دولي مستدام لتحمل أعباء اللاجئين، وتعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة تهديدات تهريب المخدرات والجماعات المتطرفة. الأوضاع الحالية لا تحتمل أخطاء، خاصة مع تشابك الأزمات في الإقليم، بدءًا من الحرب في غزة، مرورًا بالتصعيد في لبنان، وصولًا إلى الوضع المتفجر في سورية والعراق.
في النهاية، ما يواجهه الأردن هو جزء من مشهد إقليمي أكثر تعقيدًا، واستمرار التصعيد في سورية يهدد ليس فقط أمن الأردن، بل استقرار المنطقة ككل، ومع غياب أي حل سياسي للأزمة السورية، تبقى التحديات قائمة، فيما يظل الأردن مطالبًا بإدارة هذا الملف بحذر شديد، لضمان حماية مصالحه الوطنية في ظل عاصفة إقليمية لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي