تتداخل مشكلة حبس المدين المتعثر بعد بلوغه سن الستين مع عدة أزمات اجتماعية واقتصادية، أبرزها تدني رواتب الشيخوخة، وغياب برامج الإسكان لكبار السن، وارتفاع أعداد المديونين منهم الذين يحتاجون إلى حلول مثل توحيد مديونياتهم ضمن برامج متخصصة ، هذه التحديات لمن تقل رواتبهم عن 500 دينار ، تعكس قصورًا واضحًا في نظم العدالة الاجتماعية والرعاية الاقتصادية التي ينبغي أن تحمي الفئات الأضعف في المجتمع ، ولا بد من حلولًا شاملة وسريعة لتحسين أوضاع كبار السن وضمان كرامتهم من خلال :
أولاً: الإطار القانوني لحبس المدين المتعثر : وللأسف ما زال هناك حبس المدين المتعثر كوسيلة قانونية للضغط عليه لسداد ديونه ، ومما يزيد الأمر قساوة الحبس الذي يمارس على كبار السن، ممن بلغوا سن الستين ، ما هذا ؟! وتجد المسن من متقاعدين الضمان الاجتماعي الذين خدموا لبناء الدولة وقدم زهرة شبابه ليجد نفسه وراء القضبان الحديدية كمكافأة لنهاية خدمته ، هل يعقل هذا ؟! حقيقية هذه السلوكيات بحق هذه الفئة تثير جدلًا واسعًا حول إنسانية هذه الإجراءات ، ويأخذ هذا الموضوع أبعاد متعددة ومتنوعة في عموم المظمات الإنسانية الدولية ، سيما وأن المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: تمنع الحبس بسبب العجز عن الوفاء بالتزامات مالية ، فكيف إذا كان مسن فوق الستين عاماً ؟!! نتحدث عن جريمة إنسانية مركبة ، سيما وأن العديد من الدول المتقدمة تعتمد على بدائل أكثر إنسانية مثل إعادة جدولة الديون، والإعفاء الجزئي، أو برامج دعم الديون ، وفي حالة المسنين هناك دعم من الدولة لمجرد حكم المسن في القضايا المالية الواضح فيها التعثر المالي ، وتدني الدخل ، وعدم توفر السكن ، والمستوى المعيشي المتدني ، وهنا علينا أن نعترف بأن هناك إشكالية أخلاقية وإنسانية ، خاصة وأن حبس المدين بعد الستين يمثل انتهاكًا صارخاً للكرامة الإنسانية، حيث يعجز كبار السن غالبًا عن توفير دخل جديد لتسديد التزاماتهم ، ويعاني العديد من كبار السن المديونين من أعباء مالية متراكمة نتيجة عدم كفاية رواتب التقاعد، وهو ما يزيد من خطر تعرضهم للحبس .
ثانيًا: تدني رواتب الشيخوخة في الضمان الاجتماعي ، فواقع رواتب الشيخوخة التي
تشكل مصدر الدخل الوحيد لكثير من كبار السن، إلا أنها غالبًا ما تكون متدنية ولا تكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية ، سيما وأن العديد من هذه
الفئات مستأجرة للسكن ولا تجد مأوى ، وتعاني بشكل أكبر، في ظل الديون ، كما تستنزف الإيجارات النسبة الأكبر من هذه الرواتب التي تقل عن 500 دينار .
ثالثًا: غياب برامج الإسكان لكبار السن ، وهذه
الأزمة الكبرى ، يعيشها العديد من كبار السن كمديونين ومستأجرين دون برامج إسكانية توفر لهم حلولًا مستدامة ، ممايضطر البعض إلى العيش في مساكن غير ملائمة أو ذات تكلفة مرتفعة مقارنة بدخولهم.
وهنا لا بد من استحداث برامج إسكانية ميسرة توفر لكبار السن وحدات سكنية بأسعار مخفضة أو دعمًا مباشرًا لتغطية الإيجار ، مثل إنشاء مجمعات سكنية مخصصة لكبار السن تشمل خدمات اجتماعية وصحية مدمجة ، لهم ولعائلاتهم التي تعاني شتى صنوف الفقر والجوع والقهر والحرمان.
رابعًا: أعباء المديونيات وغياب برامج توحيدها ، حيث
يعاني الكثير من كبار السن من تراكم الديون نتيجة عوامل مثل القروض الاستهلاكية أو العلاجية ، وتتفاقم المشكلة لدى الفئات التي تعتمد على رواتب تقاعدية متدنية ، تقل كما قلنا عن 500 دينار مرهونة للبنوك وشركات ومؤسسات القروض ، بالتالي الحاجة ماسة إلى برامج توحيد المديونيات ، ويمكن للضمان الاجتماعي أن يلعب دورًا حيويًا في تخفيف أعباء المديونية من خلال:
1. توحيد المديونيات: جمع جميع ديون كبار السن في قرض موحد بجدول زمني مرن للسداد.
2. تقديم قروض ميسرة: لتسوية الديون القائمة مع فترة سماح طويلة وفوائد رمزية.
3. إنشاء صندوق دعم المديونية: لدعم كبار السن المديونين الذين لا يستطيعون السداد.
خامسًا: الآثار الاقتصادية والاجتماعية ، وجدير بالذكر هنا إلى إعادة التأكيد على أن
حبس المدين يؤدي إلى تعطيله عن المساهمة في النشاط الاقتصادي، ويزيد من الأعباء على برامج الرعاية الاجتماعية ، في ظل غياب برامج توحيد المديونيات الذي يفاقم من مشكلة العجز المالي لدى كبار السن، مما يقلل من قدرتهم الشرائية ، ويجعلهم في مهب الريح ، والحق أن معاناة المديونين من العزلة الاجتماعية والضغوط النفسية ،
تفاقم مشكلات الفقر بين كبار السن، مما يؤدي إلى إضعاف النسيج الاجتماعي.
سادسًا: الحلول المقترحة وعاجلة ، مثل :
1. إلغاء الحبس للمدين المتعثر بعد الستين ، فإلغاء القوانين التي تسمح بحبس المدين المتعثر لهذه الفئة تحديداً والتي نجد غالبيتها تتعلق بإيجارات المنازل ، واعتماد بدائل مثل جدولة الديون أو الإعفاء الجزئي.
2. إصلاح نظم التقاعد والضمان الاجتماعي ،
ورفع الحد الأدنى لرواتب التقاعد بما يتناسب مع خط الفقر.
هذا مع مراجعة دورية للرواتب لمواكبة التضخم.
3. استحداث برامج إسكان اجتماعي لكبار السن ، و
توفير مساكن ميسرة لكبار السن من المستأجرين.
تقديم دعم مالي مباشر لتغطية الإيجارات.
4. إنشاء برامج توحيد المديونيات ، وإنشاء برنامج وطني لتوحيد مديونيات كبار السن من خلال الضمان الاجتماعي ،وتقديم قروض ميسرة أو دعم مباشر لتخفيف أعباء المديونية.
5. تعزيز التوعية المالية والمجتمعية ، وتعزيز ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى المجتمع لدعم كبار السن.
ويبقى حبس المدين المتعثر جريمة مركبة ، وتدني رواتب الشيخوخة وغياب برامج الإسكان أو توحيد المديونيات تمثل أزمة شاملة تتطلب تدخلًا جادًا من الحكومات والمجتمع المدني ، ويجب أن تُعامل هذه الفئة العمرية بمزيد من الرحمة والإنصاف، من خلال ضمان حياة كريمة ومستقرة لهم ، وإن الحلول المقترحة ليست فقط مسؤولية قانونية، بل واجب أخلاقي على كل مجتمع يدعي العدالة والمساواة. ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي.