لطالما شكّل ملف المخدرات القادمة من سوريا تحديًا أمنيًا وسياسيًا كبيرًا للأردن، وهو تحدٍ لم تقتصر تداعياته على الحدود الأردنية-السورية فحسب، بل امتدّ تأثيره إلى دول الخليج ومناطق أوسع في المنطقة ، ومع التغيرات السياسية الحاصلة في سوريا، يجد الأردن نفسه أمام مرحلة جديدة تتطلب مقاربة مختلفة لإدارة هذا الملف الشائك ، فعلى مدى السنوات الماضية، واجهت السلطات الأردنية منظومة متكاملة لتهريب المخدرات، قوامها شبكات محترفة مدعومة من جهات متنفذة داخل النظام السوري السابق، أبرزها الفرقة الرابعة في الجيش السوري، والتي كان يُشار إليها باعتبارها الركيزة الأساسية لحماية تجارة حبوب الكبتاغون ، ورغم سقوط رموز النظام السابق، إلا أن التحديات لا تزال قائمة ، إذ تشير الأدلة الميدانية إلى أن تجارة المخدرات تجاوزت الأفراد والمؤسسات في النظام السوري لتصبح شبكة إقليمية ذات امتداد عالمي ، وبالنسبة للأردن، لا يمكن تجاهل هذا الملف أو الاسترخاء في مواجهته ، فقد كرّست القوات المسلحة الأردنية، وخاصة حرس الحدود، جهودًا مضنية في اعتراض عمليات التهريب ومنع تحويل الأراضي الأردنية إلى ممر آمن لنقل المخدرات إلى دول الخليج ، وهذه الجهود تأتي ضمن إطار رؤية استراتيجية تعتبر المخدرات تهديدًا للأمن القومي الأردني ، ومع تحرر العديد من المناطق السورية، خصوصًا في درعا، من قبضة النظام السابق، برزت إشارات إيجابية من المجتمعات المحلية هناك ، فقد أبدت لجان شعبية من محافظة درعا استعدادها للتعاون مع السلطات الأردنية في التصدي لملف المخدرات ، وهذا التحوّل يفتح آفاقًا جديدة لشراكات محلية يمكن أن تعزز الجهود الأردنية في مكافحة تجارة الموت، خاصة أن أهالي درعا كشفوا عن مصانع ضخمة لإنتاج الكبتاغون كانت تعمل تحت حماية النظام السابق ، ولعل تشكيل حكومة مركزية جديدة في سوريا، قادرة على التصدي بفعالية لهذه التجارة، يمثل تطورًا بالغ الأهمية بالنسبة للأردن ، ومع ذلك، تبقى هناك شكوك حول نوايا الحكام الجدد، واحتمالية أن يرثوا شبكات التهريب وأموالها، بدلًا من القضاء عليها ، وفي هذا السياق، يبدو الأردن أمام ضرورة مزدوجة ، مواصلة العمل الميداني الاستخباراتي والتنسيق مع الأطراف المحلية السورية الجديدة، مع الحفاظ على سياسة الحذر في التعامل مع الجهات السياسية المستجدة ، وجدير بالذكر أن قيمة تجارة المخدرات تتجاوز في المنطقة، وفق تقديرات الخبراء، خمسة مليارات دولار سنويًا، ما يجعلها مصدرًا مغريًا للأطراف المتورطة ، وهذا البعد الاقتصادي يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى الجهود الأردنية، حيث أن القوى المستفيدة من هذه التجارة قد لا تتوانى عن محاولة إعادة تنظيم نفسها في ظل الظروف السياسية الجديدة ، وتبقى مواجهة الأردن لتحدي المخدرات السورية هي معركة مستمرة لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل تشمل أيضًا أبعادًا سياسية واقتصادية واجتماعية ، ومع تغيّر المعادلة السياسية في سوريا، تبرز فرصة للأردن لتعزيز دوره الإقليمي كقوة فاعلة في مكافحة تجارة المخدرات ، ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد بشكل كبير على قدرة عمّان على بناء شراكات جديدة موثوقة على الجانب السوري، مع إبقاء أعينها مفتوحة على كل التحركات التي قد تهدد أمنها واستقرارها في المستقبل . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي.