تسارع وتيرة الأحداث (تحديدًا منذ 8 كانون الأول/ديسمبر الحالي يوم سقوط حكم بشار الأسد) زادت التحركات السياسية بين اتصالات ولقاءات وزيارات من وإلى المنطقة (آخرها جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ولقاؤه جلالة الملك عبدالله الثاني في العقبة وزيارة لم تكن معلنة إلى بغداد ولقاؤه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ثم زيارة مقررة إلى تركيا). واليوم السبت، يستضيف الأردن (في مدينة العقبة) اجتماعات عربية ودولية لبحث تطورات الأوضاع في سوريا.
.. كل هذه التحركات والاتصالات تشير إلى دور أردني فاعل يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني في اتجاهات ركائزها محددة كما يلي:
1 - ضرورة وقف العدوان على غزة وحماية الضفة الغربية والمقدسات.
2 - أمن واستقرار سوريا.
3 - أمن واستقرار العراق.
4 - الحؤول دون جرّ المنطقة إلى حروب إقليمية، والعمل على إنهاء الحروب في المنطقة.
-..وقبل كل ذلك، فإنّ الهدف الأول والأخير من العمل على جميع الركائز السابقة هو أمن وأمان الأردن، الذي يفرض عليه موقعه الجيوسياسي أن يكون الأكثر تأثرًا في أية حروب إقليمية، كما يكون الأردن المستفيد من أي هدوء واستقرار في أي بلد مجاور.
-من هنا، نقرأ اتصالات جلالة الملك عبدالله الثاني وزياراته المتواصلة مؤخرًا مع الرئيس الأميركي جو بايدن منذ أيام، ثم لقاؤه بالأمس وزير الخارجية الأميركي بلينكن، واستقبال جلالته منذ يومين رئيس الوزراء العراقي، ثم زيارة جلالته إلى الإمارات ولقاؤه سمو الشيخ محمد بن زايد، وغيرها من اللقاءات والاتصالات، وجميعها تصبّ في اتجاه العمل على عودة الاستقرار إلى سوريا، ومنع أي توسع للحرب في الإقليم.
-ما جرى ويجري في سوريا تطور دراماتيكي سريع، ويُقرأ من عدة أوجه، أوضحها «وجه التفاؤل والأمل» بعد انتهاء أكثر من خمسين عامًا من الظلم والاستبداد، ووجه آخر «حذر وقلق» من مآلات ما يجري في العراق وصورة مستقبل سوريا.
*أوجه التفاؤل تتمثل بالنقاط التالية:
1 - فرحة الشعب السوري بانتهاء حكم تتكشف جرائمه يومًا تلو الآخر مما تظهره جميع وسائل الإعلام والتواصل من جرائم وانتهاكات داخل السجون وخارجها.
2 - تصريحات القيادة الجديدة في سوريا التي تدعو إلى الهدوء وتؤكد حرصها على أمن وسلامة سوريا والسوريين ووحدة الأراضي السورية، ونبذ الطائفية والفئوية.
3 - إصدار «العفو العام» في كثير من المناطق السورية، والدعوة لعودة اللاجئين.
4 - الانتقال «السلس» للحكم، وتشكيل حكومة «انتقالية» لمدة ثلاثة أشهر، والحرص على استدامة تقديم الخدمات للمواطنين.
5 - توقف مصانع «الكبتاغون» عن العمل وتراجع - لدرجة التوقف - عمليات التهريب.
-كل ما تقدم ذكره - وغيرها من الأمور - يدعو إلى التفاؤل بإمكانية الانتقال إلى مرحلة أكثر أمنًا وأمانًا وحرية للشعب السوري.
*أوجه الحذر والقلق تتمثل بالنقاط التالية:
1 - تقسيم سوريا، وتحويل ما هو على الأرض الآن إلى واقع، فهناك مناطق في الشمال تحت السيطرة «التركية»، ومناطق الشرق تحت سيطرة «قسد»، وإسرائيل نقضت اتفاق عام 1974 واحتلت المنطقة العازلة مع سوريا، وباقي المناطق تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» بقيادة محمد الجولاني أو أحمد الشرع.
2 - عدا الخشية من «التقسيم الجغرافي»، هناك قلق من تقسيم «طائفي» و«عرقي» في بلد يشير الواقع الديمغرافي فيه إلى أن العرب يشكلون نحو (90.3 %)، والأكراد والأرمن والتركمان وغيرهم (9.7 %). كما يشكل المسلمون نحو (94.9 %) والمسيحيون (5 %)، و(1 %) أديان أخرى.
وتأتي الطائفة السنية في المرتبة الأولى حوالي (79.5 %) من السكان ويتوزعون في أغلب المناطق السورية، ويتركزون في المحافظات الرئيسة (دمشق، حمص، حماة، حلب، الرقة، درعا). والعلويون، وهم ينتمون اسميًا لطائفة الشيعة، يمثلون نسبة (11 %)، والدروز (3 %)، والكثافة الأعلى لهم في المنطقة الجنوبية بالجبل بمحافظة السويداء، وبعض أحياء دمشق (جرمانة)، وبعض القرى بإدلب وفي هضبة الجولان المحتل. والشيعة (4 %) من مجموع السكان، معظم تواجدهم في بعض أحياء دمشق.. إلخ.
3 - الخشية من «حروب أهلية»، ومن تقسيمات، ومن «تصفية حسابات»، ومن فوضى - لا قدّر الله - لن يكون تأثيرها فقط على سوريا بل على كافة دول المنطقة، وخصوصًا دول الجوار وفي مقدمتها الأردن.
-من هنا، فإن الجهود الأردنية متواصلة وحثيثة، وهي تستضيف اليوم اجتماعين هامين:
*الأول: لوزراء خارجية لجنة الاتصال العربية الوزارية بشأن سوريا، المشكلة بقرار من الجامعة العربية والمكونة من الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، والأمين العام لجامعة الدول العربية.
*والثاني: لوزراء الخارجية العرب الحاضرين لاجتماعات اللجنة مع وزيري خارجية تركيا والولايات المتحدة، والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، إضافة إلى المبعوث الأممي حول سوريا.
نتمنى أن تكلل الجهود الأردنية المتواصلة بتوحيد الجهود العربية والدولية بإيجاد سبل ناجعة وسريعة لدعم عملية سياسية جامعة يقودها السوريون لإنجاز عملية انتقالية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، وتلبي طموحات الشعب السوري، وتضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية وتحفظ وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وحقوق جميع مواطنيها.
*باختصار: أمن واستقرار سوريا، كما هو مصلحة سورية، فهو مصلحة أردنية وعربية ودولية أيضًا.