قد يقول قائل بأنه ليس وقت الحديث عن المقارنات، بين «السجون» في الأردن وفي سوريا أو غيرها، لكن على العكس تماما، ففي مثل هذه الظروف والمناسبات التي نتمنى أن تكون عابرة في حياة الشعوب، ولا تعمّر طويلا، أو تؤثر على الحياة الطبيعية للناس في أي مكان، فطوفان الصور القادمة من سوريا، وإن كنا ندرك حجم المبالغات فيها، وسر تضخيم خبرها على أخبار أخرى مهمة ومصيرية بالنسبة للوجود السوري، على الرغم من هذا، فإنها مناسبة تدفعنا للفت عناية وتفكير الناس، لإجراء مثل هذه المقارنات في هذا الوقت، لأنها تعطينا انطباعا حقيقيا عن إنسانية وتوازن وموضوعية نظام دولتنا السياسي، مقارنة بغيره من دول المنطقة، التي تقع في جحيم الصراعات وسعير المؤامرات والديكتاتوريات.
فيما سبق (أيام حافظ الأسد)؛ كنا نسمع عن حجم العذاب والقمع الذي يعاني منه السوريون، وكان هذا الشعب قد وصل إلى درجة من الإذعان، بحيث إن أية عائلة تعرض أحد أفرادها للاعتقال أو التوقيف أو الحكم بالسجن، كان العرف بأن الأفضل للسجين أن لا يسأل عنه أهله، فعلاوة على ما يتعرض له الأهل لدى السؤال عن ابنهم، سيتعرض السجين نفسه للعذاب بالتحقيق او بالتعذيب وتفتح بشأنه قضية أخرى، ذلك إن لم يتم اعتقال السائل الباحث عن ابنه أو والده أو شقيقه، بينما كان وما زال الموضوع مختلفا في الأردن، فمهما كانت جريمة السجين، سواء أكان موقوفا أم محكوما أو حتى معتقلا سياسيا «إرهابيا» أو متآمرا عميلا، فثمة قانون وتعليمات ثابتة، يعرفها الناس والمحامون والمسؤولون، بكل شفافية، حيث يمكن اتباعها وطلب زيارة السجين بواقع 3 او 4 زيارات في كل أسبوع، بل إن هناك تعليمات يمكن اتباعها لمن يريد «الخلوة» بزوجته، إن كان محكوما بحكم يزيد عن 6 أشهر حسب معلوماتي..
التقيت سابقا مع أكثر من مسؤول في الأمن العام، مدراء لمراكز الإصلاح والتأهيل، وقدموا معلومات وإحصائيات وتحدثوا عن برامج كثيرة، يمكن لنزيل مراكز الإصلاح والتأهيل الاستفادة منها، علاوة على إمكانية أن يبنوا أنفسهم ومستقبلهم «المحترم» من جديد.
حوادث اختفاء المساجين في سوريا أو في «غيرها»، مألوفة، نعرف عنها الكثير من القصص، فالذي يدخل تلك السجون، يغيب فعلا «وراء الشمس»، بينما في الأردن، ومهما كانت جريمة المجرم المحكوم أو الموقوف في مراكز الإصلاح والتأهيل، فهناك وعلاوة على أهله وأصدقائه وجيرانه ومعارفه وزملائه، عدة جهات ومؤسسات رسمية قانونية أو حتى أهلية وحزبية، يمكنها السؤال عنه ومعرفة حكايته وقصة حياته، او قضيته المحكوم او المتهم بها والموقوف على أساسها، ومتابعة حالته النفسية والصحية ومتطلباته، وحتى أمنياته، في حال قرر الاستفادة من وقت حجز حريته القانوني، فكم من سجين محكوم في مراكز الإصلاح والتأهيل، دخلها بلا شهادة أكاديمية، وخرج منها حاصلا على شهادة أو شهادات مدرسية أو جامعية، ثمة إحصائية متداولة ومنشورة، وتزداد مع كل عام.
سأكتب في مقالة أخرى بعض هذه الأرقام والإحصائيات، فالمناسبة «الإقليمية» العالمية التاريخية، التي تحدث في سوريا الشقيقة، تكفي لتبصير المواطن الأردني أو العربي او أي مواطن حول العالم، بفرادة النموذج السياسي الأردني، وحضارية الشعب الأردني ومدى التزامه بالقانون والديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان، وعمق تجذّر العدالة والقانون في ثقافة وتفكير الأردنيين، مقارنة بغيرهم.
هي مناسبة ليعرف الأردني بأنه يحيا في بلد محترم، وفي ظل ومسؤولية دولة راشدة تستند في إدارة الشأن العام للقانون، وقبل ذلك لمبادئ إنسانية وحقوقية سامية، أزعم بأنها لا توجد ولا يوجد مثيل لها في ما نسميه أعرق الديمقراطيات.
هذه مقالة من نوع «قف وقارن»، وهي مطلوبة في مثل هذا الوقت، وأتمنى لو يتنبه الزملاء في وسائل الإعلام المختلفة لمثل هذه المقارنات في مثل هذه الظروف، فهي تقدم معلومات حاسمة عن الأنظمة السياسية العربية، في زمن اختلط فيه الخيال بالحقيقة بالمؤامرة بالتخلف..