من حق السوريين أن يحتفلوا بجمعة النصر بعد عقود من الخوف، والرعب، كان امتهان كرامتهم أسهل أمر يمكن أن يحدث لهم، هذا عدا الزج بشبابهم في السجون، فيصبحون أرقاما منسية.
هذه الصورة ليست مبالغة، أو تهويل، وهي أسبق من سنوات الثورة السورية، وامتدت من عصر الرئيس حافظ الأب، واستمرت مع الرئيس بشار الابن، ولا يمكن تبرير هذه الجرائم لهذا النظام الاستبدادي مهما تشدق بشعارات ثورية قومية، أو حديث عن فلسطين.
والحقيقة المعلومة لكل من اقترب من السياسة أن حزب البعث انقلبت عليه عائلة الأسد أولا، واختزلت السلطة بعائلة سيطرت على مقدرات سورية كلها، وحين مات حافظ عُدل الدستور بسويعات قليلة على مقاس الابن بشار دون أي صوت للحزب، أو معارضة تذكر.
وطوال عقود كان حزب البعث السوري يقود معركة أولها مع حزب البعث العراقي، وما بينهما من فواصل زمنية استخدم التنظيمات الفلسطينية في دمشق ورقة وظفها لتعزيز سطوته، ونفوذه الإقليمي، ولم أسمع في عقود متتابعة أن رصاصة واحدة انطلقت من الجولان، أو عملية فدائية مرت من هناك، وظلت جبهة الجولان الأكثر أمانا مع العدو الإسرائيلي.
لم يكن نظام الأسد داعما للثورة الفلسطينية إلا بالشعارات والكلام، فالذاكرة مفعمة بأوجاع مذبحة مخيم تل الزعتر، وبعد الثورة السورية استبيح مخيم اليرموك، وأصبح مدينة أشباح، ومنذ السابع من أكتوبر لم أعرف عن مشاركة نظام الأسد في دعم المقاومة، الا ما يُقال عن خط الإمداد العسكري من إيران لحزب الله عبر الأراضي السورية.
والسؤال الافتراضي بعد كل ذلك؛ هل يكفي أن يدعي نظام الأسد أنه مع محور المقاومة، والممانعة لنغض النظر عن كل جرائمه بحق الشعب السوري، ونسكت عما يجري في سجونه بحق ليس السوريين فقط، وانما امتدت جرائم الإخفاء القسري بحق آلاف من المناضلين العرب الذين خالفوه الرأي، وحتى أن مئات تم نسيانهم بالسجون عقودا دون تهم، ولم يعرف عنهم أي نشاط سياسي.
اليوم سقط نظام الأسد، وجاء نظام جديد، ومن المفروض أن يحرص على العدالة، وسيادة القانون، ومنع الفوضى، والانفلات، والحرص على مؤسسات الدولة، ومقدراتها من العبث، ويعيد الحياة الآمنة لكل الجغرافيا السورية، ويكرس نظاما ديمقراطيا مدنيا، متنوعا، يتسع لمشاركة الجميع دون إقصاء.
سنكون مع التحولات السياسية في سورية بقدر نجاحها في بناء دولة تشرك الجميع في العملية السياسية، وتباشر في وضع دستور ديمقراطي يحظى بإجماع وطني، ويضع خطة لتطبيق العدالة الانتقالية، تكون فيها المساءلة لمن ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، تُبنى على أفضل الممارسات والتجارب الدولية، وسنقف ضد الانتقام، والقتل خارج إطار القضاء، واستباحة مليشيات، وعناصر التنظيمات لأمن السوريين، وانفرادهم بتطبيق القصاص بأيديهم.
تعود المدارس في سورية إلى عملها المعتاد، وهذا مؤشر إيجابي، وممارسة مؤسسات الدولة لدورها خطوة في الاتجاه الصحيح، وبناء سورية، وإعادة إعمارها يكون بوحدة الشعب، والمضي قدما نحو انتخابات ديمقراطية حرة، يشارك بالإشراف عليها العالم، وتكون درسا بأن الديمقراطيات يمكن أن تحل مكان الأنظمة الشمولية الدكتاتورية.
قرارات اجتماع العقبة التي شاركت بها معظم الدول العربية تصلح أساسا قويا لمباشرة عودة سورية للعالم العربي، والمجتمع الدولي، ورفع العقوبات عاجلا خطوة ضرورية، وإدخال المساعدات بكل أنواعها مطلب عاجل لا يمكن تأجيله.
يُراقب العالم الخطوات التي تتخذها السلطة الحاكمة في سورية، وهناك ملاحظات تتواتر عن عدم مشاركة كل الطيف السياسي في صنع القرار، ولم يفت الأوان على قيادة العمليات السياسية والعسكرية في سورية على إشراك كل القوى السياسية، وزج الخبراء من كل التوجهات في اللعبة السياسية، فهناك شخصيات وقامات سورية لا يمكن تجاهلها حتى ممن عملوا في النظام السابق، ولم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، ولم يكونوا من الحلقات الأمنية، والعسكرية، والسياسية التي أدارت المشهد في حقبة النظام السابق.
أهم أركان المرحلة القادمة صون الحقوق، والحريات، وتكريس العدالة، وسيادة القانون، والذهاب بثبات إلى تحقيق التنمية المستدامة، ففي سورية ثروات تنهض في البلاد إذا أُحسن استثمارها، وأهمها الموارد البشرية، ولهذا فإن عودة اللاجئين، والعقول في الخارج تمكن البلاد من الانطلاق.
كلمة أخيرة، سورية عربية، وستبقى هويتها عربية، وفلسطين قضية الشعب السوري قولا، وفعلا، ولهذا فإن المطلوب من القيادة الجديدة إدانة الاحتلال الإسرائيلي للجولان، والعدوان على مقدرات بلادهم، فهي لسورية، وليست للأسد، وإن كانت لا تستطيع دخول مواجهة مع عدو غاصب في الظروف الإقليمية، والدولية، فإن أضعف الإيمان الرفض، والإدانة، وقول لا نقبل بانتهاكات إسرائيل مهما حدث، وستجد الجميع إلى جانبها.
مع سورية، وسنقف إلى جانبها، وننتظر بشوق أن نكون في دمشق مناصرين، وداعمين، فسورية جزء لا يتجزأ من وطننا العربي، والمجد لها.