في العديد من الأنظمة السياسية والاقتصادية، تسعى الحكومات إلى تحسين مستوى معيشة مواطنيها من خلال منح زيادات في الأجور والمعاشات التقاعدية ، إلا أن هذه الزيادات لا تشمل دائمًا جميع الفئات الاجتماعية بشكل متساوٍ ، وفي حالة الأردن، على سبيل المثال، يتساءل العديد من المواطنين عن سبب استثناء متقاعدي الضمان الاجتماعي من الزيادة الممنوحة للموظفين والمتقاعدين العسكريين ؟! وهو موضوع يثير الجدل والعديد من التساؤلات ، مثل:
1. التفرقة بين النظامين العسكري والمدني ، وهذه
أحد الأسباب الرئيسية التي تبرز في هذا الاستثناء هو وجود فرق كبير بين النظامين التقاعديين المدني والعسكري ، ففي النظام العسكري، يتمتع العسكريون بحقوق تقاعدية متميزة نظرًا لطبيعة عملهم وأوضاعهم الخاصة التي تتطلب تفانيًا في الخدمة في ظل ظروف قد تكون خطرة، إضافة إلى التزامهم تجاه الدولة في العديد من المجالات الأمنية واللوجستية ، وعلى الرغم من أن المدنيين، وخاصة المتقاعدين منهم، قد يواجهون تحديات حياتية مماثلة، إلا أن النظام التقاعدي المدني (من خلال الضمان الاجتماعي) يختلف من حيث الهيكلية والتمويل وآلية الدعم، مما يؤدي إلى استثناء هؤلاء المتقاعدين من الزيادة المقررة.
2. الظروف المالية للدولة ، و
من الأسباب الأخرى التي يمكن أن تفسر هذا الاستثناء هي الوضع المالي للدولة ، فالعديد من الحكومات، خاصة في الدول التي تعاني من ضغوط اقتصادية، تكون مجبرة على اتخاذ قرارات مالية تهدف إلى ترشيد النفقات ، وقد يكون قرار استثناء متقاعدي الضمان الاجتماعي من الزيادة مرتبطًا بمحاولة التقليل من الأعباء المالية التي تترتب على زيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية.
3. العدالة الاجتماعية والمساواة ، وفي المقابل، قد يرى البعض أن هذا الاستثناء يعد خرقًا لمبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة. فالمتقاعدون المدنيون الذين هم جزء من المجتمع ويمثلون شريحة كبيرة من السكان، قد يعانون من تدهور في قدرتهم الشرائية بعد التقاعد، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف المعيشة ، وفي هذا السياق، يرى منتقدو القرار أن استثناءهم من الزيادة يعكس تفاوتًا غير مبرر بين شرائح المجتمع.
4. الآثار النفسية والاجتماعية ، وجدير بالذكر ان استبعاد متقاعدي الضمان الاجتماعي من هذه الزيادات قد يثير مشاعر الإحباط والظلم بين هذه الفئة من المجتمع ، فالمتقاعدون، الذين عملوا لسنوات طويلة وأسسوا حياة مستقرة، قد يشعرون بأن الدولة لا تعترف بتضحياتهم ، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تآكل الثقة في النظام التقاعدي للضمان الاجتماعي ، والشعور بالعزلة عن باقي أفراد المجتمع الذين يستفيدون من الزيادات المقررة.
5. التحديات المستقبلية ، ومما
لا شك فيه أن الفئات المتقاعدة من الضمان الاجتماعي ستكون في مواجهة تحديات متزايدة في المستقبل ، ومع تغييرات قد تطرأ على أنظمة الضمان الاجتماعي والتقاعد، قد يصبح من الضروري تبني سياسات تضمن تحسين معيشة المتقاعدين وتخفيف الفجوة بين عموم المتقاعدين وهذا يتطلب تضافر الجهود الحكومية لإيجاد حلول مبتكرة تضمن التوازن بين الالتزامات المالية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، ويبقى استثناء متقاعدي الضمان الاجتماعي من الزيادة المقررة للموظفين والمتقاعدين العسكريين يمثل مسألة معقدة تشمل أبعادًا مالية، اجتماعية وسياسية ، وفيما يبدو أن هذا الاستثناء قد يكون مبررًا اقتصاديًا أو تنظيمياً في بعض الأحيان، إلا أنه يعكس تحديًا حقيقيًا يجب أن تضعه الحكومة في اعتبارها عند وضع سياساتها الحالية لضمان تحقيق العدالة والمساواة بين جميع المتقاعدين، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين. ناشطة في حقوق الإنسان .