الميل إلى تصديق ما يكتبه وما يقوله ويبثه الآخر الأجنبي من أكاذيب كبيرة، وقد رأينا كيف صدقنا قبل يومين الرواية المزيفة لمراسلة احدى الشبكات الأميركية حول سجين سوري مضطهد وتبين أنه ضابط مخابرات سوري يضطهد مواطنيه، وقد رأينا سابقا تزييفا غربيا لما يعانيه الفلسطينيون في غزة، ودول عربية، من العراق، الى لبنان، وصولا الى السودان وليبيا.
واللافت للانتباه ان التصديق يشتد عندما يتحدث عدوك حول شؤونك الداخلية، والمفارقة انك تكذبه وتعاديه في كل سياساته وأفعاله وتاريخه المزيف، لكنه حين يسرب معلومة كاذبة، أو تقريرا مزيفا، او رسالة مسمومة ناعمة الى الأردن، يصدقه البعض في الأردن، فكيف يأمن المصدق بيننا مصداقية الاسرائيلي ويقبل سرديته، في الوقت الذي يدين دمويته وجرائمه بحق البشر في كل مكان، وتزييفه تاريخ الاماكن والشعوب والاديان والحضارات وقصص الانبياء.
Ad
بين يدي عدة اخبار اسرائيلية وتغريدات وتقارير ترجمها "العرب الكرماء" وتولوا نشرها بتطوع غريب في وسائل الاعلام العربية، وكأنهم ينقلون السردية الاسرائيلية لمن لا يعرف العبرية، وهذه الاخبار والتغريدات والتقارير تناقض بعضها البعض، بعضها يتحدث عن تقديرات اسرائيلية لقرب انهيار الأردن، دولة ونظاما وشعبا، وبعضها الآخر يتحدث عن معلومات تنصح اسرائيل باحتلال الأردن اذا حكم الاسلاميون، وكأن الاسلاميين خارج معادلة الدولة والحكم اصلا، وهم يعدون جزءا من التمثيل السياسي في البرلمان، وقد ارتضوا نتائج التحديث السياسي، ثم الحديث هنا عن أردن يمكن احتلاله، ولا كأن هناك اي شعب، ولا ارادة، ولا قطعة سلاح في هذه البلاد، ثم تأتيك تسريبات عن نصائح اميركية للأردن بخفض نقده لإسرائيل والمسرب ربما كان ذبذبة ضمن ذبذبات الاتصالات السرية، وتنصت على المكالمات، وتفاصيلها الكاملة والمكتومة جدا، ثم يأتيك تقرير يحمل تقديرات اسرائيلية تتحدث عن ان الأردن لن يحدث به مثل سورية، وهو مستقر، لاعتبارات كثيرة، ويعدد هذه الاسباب، وكأنه خبير بالشأن الأردني، متكرما علنيا بشهادات حسن السلوك والثقة بمستقبلنا.
اللافت هنا عدة اشياء، اولها ان الاعلام العربي الموسوم بكونه محترما يسارع الى تبني الروايات الاسرائيلية حول الأردن، ويترجمها، خصوصا، اذا كانت ضد الأردن، دون ان يدقق احد في مغزى ودوافع اي معلومة، مثلما ان السؤال يتركز هنا حول سبب الترويج اصلا لسردية اسرائيلية بكل سمومها، ولماذا يصدقها بعض ابناء الأردن والعرب، مثلما ان علينا ان نسأل ايضا عن سبب تصديق اي اسرائيلي اصلا، وكل سرديتهم لاحتلال فلسطين كانت زائفة اصلا، وهم يكذبون في كل شيء، في الوقت الذي نرى بعضنا يصدق اي اسرائيلي لمجرد انه اسرائيلي، ثم يشبعنا هذا الانسان تنظيرا حول الاختراقات الاسرائيلية فيما هو اول الضحايا.
في الأردن مشاكل وربما ازمات، ونعبر توقيتا حساسا جدا، على الصعيد الداخلي، والوضع الاقتصادي، والوضع الاقليمي في المنطقة وما يجري في القدس والضفة الغربية وغزة وسورية ولبنان، وما قد يقع في العراق، وما قد يستجد بعد قدوم الرئيس الاميركي الجديد، ولم يقل احد ان الامور سهلة، لكن دورنا ايضا ألا نتورط في الروايات الاسرائيلية ونهدم الداخل بأيدينا من خلال تبني روايات كاذبة ومسمومة ونصدقها لمجرد ان صاحبها اسرائيلي، وفي الوقت ذاته لا يمكن انكار ان هناك مزايا مهمة للأردن من استقرار متواصل، وقدرة على تجنب الازمات، والتخفيف من كل ازمات الافليم، وادراك اهله جميعا بلا استثناء ان حماية الأردن وادامته مهمة اخلاقية لكل واحد، مهمة اخلاقية للغاضب قبل الراضي، خصوصا ونحن نرى ما يحدث حولنا.
كنا في مطلع عملنا في الاعلام في التسعينيات تشتد اقواس صحافتنا للرد على اي اكذوبة عربية او اسرائيلية، فتبددت الاكاذيب وبقي الأردن، وهو الأردن الذي يحقد عليه البعض غيرة، ويتمنى له البعض المريض الالتحاق بالكيانات الذبيحة حتى يتشفى، ويحسده نفر ثالث لانه بقي حتى الآن، فيما لا يدرك بعض من ينتسبون الينا، اهمية ومغزى ان يبقى مستقرا.
سيعبر الأردن كل التواقيت ويكفيه شفاعة عند الله احسانه لملايين العرب والمسلمين الذين وجدوا فيه صونا لدمائهم وسترا لأعراضهم وحفظا لكراماتهم، فوق ما في اهل الأردن من شرف وصبر ومروءة وطيب وفهم لقيمة هذه البلاد الفريدة، لا أضاع الله لهم حسن نواياهم.