في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان"، يكشف الكاتب جوزيف جدعون قصة مايك كيسي، الدبلوماسي الأمريكي السابق، الذي اختار الاستقالة من منصبه كنائب المستشار السياسي لغزة احتجاجًا على ما وصفه بأنه "أكبر فشل في السياسة الخارجية الأمريكية" ، وكانت استقالة كيسي، في يوليو الماضي، نقطة تحول تعكس خيبة الأمل المتراكمة نتيجة للسياسات الأمريكية التي وصفها بالمنحازة والعاجزة عن مواجهة الواقع الإنساني في غزة ، فعندما وصل كيسي إلى القدس عام 2020، كان يحمل آمالًا بإحداث تغيير إيجابي ، كجندي سابق في الجيش الأمريكي ودبلوماسي متمرس خدم في آسيا، جاء إلى المنطقة مدفوعًا بتدريب معمق حول اللغة العربية وشؤون الشرق الأوسط ، إلا أن تطلعاته سرعان ما اصطدمت بواقع يصفه بأنه "أكثر قتامة مما يمكن تصوره" ، وقال كيسي في حديثه للغارديان: "كلما ازددت اطلاعًا على القضية، أدركت حجم المأساة" ، فعمله الذي تركز على توثيق الأوضاع الإنسانية والسياسية في غزة، تحول إلى مهمة شاقة لتوثيق الموت والمعاناة اليومية ، "سئمت من كتابة تقارير عن الأطفال القتلى"، يقول كيسي، "كان عليّ أن أثبت لواشنطن أن هؤلاء الأطفال ماتوا بالفعل، ثم أشاهد كيف يتم تجاهل الأمر تمامًا" ، ووصف كيسي عمله بأنه محاولة لإحداث تغيير في سياق بيروقراطي معقد ومتناقض ، وقد أُنشئ مكتب الشؤون الفلسطينية في عام 2022 ليكون أداة أمريكية فعّالة للتعامل مع القضايا الفلسطينية، لكنه تحول إلى كيان عاجز عن تحقيق تقدم ملموس ، وتضمنت التقارير التي أعدها كيسي وفريقه مقترحات شاملة لإعادة إعمار غزة،محاور رئيسية مثل المساعدات الإنسانية، والبنية التحتية الأمنية، وتعزيز الحكم الذاتي الفلسطيني ، إلا أن كل هذه الأفكار قوبلت بالرفض المنهجي من إدارة بايدن ، بدلاً من ذلك، هيمنت المقترحات الإسرائيلية، التي وصفها كيسي بأنها "مدمرة وغير عملية"، على الأجندة ، ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 45,000 فلسطيني في غزة، ونزح 90% من السكان الذين يعيشون في ظروف إنسانية كارثية تقترب من المجاعة ، وعلى الرغم من الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية ودعوات المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب، استمرت الولايات المتحدة في تقديم الدعم العسكري لإسرائيل، الذي بلغ 17.9 مليار دولار في عام واحد، مقارنة بـ 674 مليون دولار فقط كمساعدات إنسانية للفلسطينيين ، وأوضح كيسي أن أحد أكثر اللحظات إيلامًا كان عندما شكك الرئيس بايدن علنًا في أعداد الضحايا الفلسطينيين، رغم أن تلك الأرقام وثّقها كيسي نفسه ،"ما جدوى كتابة التقارير إذا كانت ستُهمل؟!! " ، وأخيرا وجد كيسي أن السياسات الأمريكية تجاه إسرائيل تختلف جذريًا عن تعاملها مع دول أخرى ، "ففي باكستان أو ماليزيا، يمكننا استخدام العقوبات أو سحب المساعدات كأداة ضغط ، أما مع الإسرائيليين، فهم فقط يطيلون المفاوضات حتى نوافق في النهاية على ما يريدونه" وإحباط كيسي لم يكن استثناءً ، فقد شهدت وزارة الخارجية الأمريكية موجة استقالات لمسؤولين بارزين بسبب شعورهم بخيبة الأمل من الأداء الأمريكي في هذا الملف ، إلا أن خروج كيسي كان مختلفًا، حيث تم بصمت، ما يعكس حجم الإحباط الشخصي العميق ، وفي ختام حديثه، قال كيسي: "لا توجد لدينا سياسة تجاه فلسطين ، نحن فقط نفعل ما يريده الإسرائيليون" ، بالنسبة له، فإن هذا الخلل المنهجي في السياسة الأمريكية لا يضر الفلسطينيين وحدهم، بل يُلحق الأذى بالإسرائيليين أيضًا عبر تأجيج الصراع دون حلول مستدامة ، وبعد تركه العمل الدبلوماسي، يعمل كيسي الآن في بنك محلي بولاية ميشيغان، حيث يراقب من بعيد تطورات الملف الفلسطيني ، ويرى أن واشنطن بحاجة إلى تغيير جذري في مقاربتها، ليس فقط من أجل الفلسطينيين، بل لضمان سلام شامل ومستدام في المنطقة ، وهنا تسلط قصة كيسي الضوء على عجز السياسات الدولية عن إنهاء مأساة غزة، وتؤكد الحاجة إلى مراجعة شاملة للنهج الأمريكي في التعامل مع هذا الصراع المعقد. ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .