زيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إلى دمشق ولقاؤه أحمد الشرع تشكّل خطوة جديدة لتعزيز العلاقات الأردنية-السورية التي استمرت رغم سنوات الأزمة. هذه العلاقات، المتشابكة بين المصالح الاستراتيجية والتحديات الأمنية، تعكس وعي الطرفين بأهمية التعاون في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي.
بالنسبة للأردن، لا تُعد سوريا مجرد جار، بل بوابة اقتصادية وسياسية وأمنية. التجارة بين البلدين، التي بلغت ذروتها قبل عام 2011، كانت شريان حياة لقطاعات اقتصادية أردنية عديدة. اليوم، وبعد سنوات من التوتر، يسعى الأردن لإحياء هذه العلاقات عبر إعادة فتح المعابر الحدودية وتنفيذ مشاريع مشتركة مثل الربط الكهربائي وإعادة الإعمار. هذه الجوانب ليست مجرد مصالح اقتصادية، بل أدوات لتعزيز الاستقرار الذي يحتاجه الجانبان بشدة.
لكن تحركات الأردن تجاه دمشق تتجاوز الاقتصاد. التحديات الأمنية، مثل الإرهاب وتهريب المخدرات، تُشكّل تهديدًا وجوديًا للمملكة. فقد تحولت الحدود الشمالية للأردن إلى مسرح لنشاط عصابات التهريب والمجموعات المسلحة، ما يجعل التنسيق الأمني مع الجانب السوري ضرورة لا خيارًا.
ومن القضايا الأمنية الملحة أيضًا ملف الجماعات المتطرفة داخل سوريا. وجود هذه الجماعات بالقرب من الحدود الأردنية يمثل تهديدًا أمنيًا مباشرًا، ما يستدعي تنسيقًا عالي المستوى بين عمان ودمشق. في هذا الإطار، يكتسب اللقاء بين الصفدي والشرع أهمية خاصة، كخطوة أولى نحو تفاهمات أعمق حول مكافحة الإرهاب ومعالجة هذه الملفات الحساسة.
ورغم هذه التحديات، ينظر الأردن إلى سوريا من زاوية إنسانية وسياسية. استضافة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين تعكس موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا، لكنها في الوقت ذاته عبء اقتصادي كبير لا يمكن للمملكة تحمله وحدها. العودة الآمنة لهؤلاء اللاجئين تتطلب جهودًا دولية وحلولًا سياسية تضمن الاستقرار في سوريا، وهو ما يدفع الأردن لمواصلة الدعوة إلى حل سياسي يحافظ على وحدة الأراضي السورية واستقلالها.
لطالما اعتمد الأردن في تعامله مع الأزمة السورية على مبدأ الحياد الإيجابي، متجنبًا الانحياز لأي طرف، لكنه أبقى أبوابه مفتوحة للحوار. هذا الموقف، الذي قد يُفسر أحيانًا بالتردد، يعكس في حقيقته حسابات دقيقة تهدف إلى حماية المصالح الأردنية وسط فوضى إقليمية.
زيارة الصفدي لدمشق ليست مجرد خطوة دبلوماسية روتينية، بل تعكس رغبة صادقة في بناء تعاون مشترك لمواجهة التحديات. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل سيتحول هذا الانفتاح إلى خطوات عملية تعزز التعاون في الملفات العالقة؟ وهل سيشهد المستقبل القريب توافقًا أعمق بين الطرفين؟
في النهاية، يبقى الأردن وسوريا بحاجة لبعضهما، فالتاريخ والجغرافيا يفرضان ذلك. التحدي الأكبر يكمن في تحويل هذه الحاجة إلى شراكة مستدامة قائمة على الثقة والمصالح المتبادلة. ربما تكون هذه الزيارة نقطة انطلاق نحو علاقات أكثر استقرارًا وفعالية في ظل المتغيرات الإقليمية.