استقبل نتنياهو مشروع المفاوضات غير المباشرة المتوقعة قريبا جدا بقرار استفزازي بحق الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال، يذكر بزيارة شارون للمسجد الأقصى التي فجّرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
أجندة الانفراج الضعيفة مثل شمعة في مهبّ الريح، تهدر فوقها أجندة تأزيم ترشح المنطقة لتدهور وربما مشاريع انفجارات عسكرية يتهيأ لها اللاعبان الرئيسيان إسرائيل وإيران. وعلى عدّة جبهات يمكن لأي ذريعة أن تفتح حربا أو توسع النزاع من غزّة إلى لبنان إلى العراق وأفغانستان، ومراقبون غربيون يتحدثون بكلّ جدّية عن مشروع حرب جديدة قريبة مع حزب الله.
التقدير المنطقي يقول إن إيران تدّخر ورقة حزب الله ليوم الهجوم العسكري عليها، والأقرب لها هو التصعيد في العراق، وهي بالفعل استعرضت سلطتها رغم أنف أميركا والعرب ففعلت في العراق عبر "هيئة الاجتثاث" المشؤومة ما تفعله عادة في الانتخابات الإيرانية؛ أي استبعاد مرشحين على أساس سياسي، وعمل من هذا النوع في ظروف العراق يقوم به من لا يملك ذرة حرص على دم العراقيين وحياتهم ومستقبل بلدهم، وإيران لا ترى ضيرا من عودة النزاع الطائفي، وتريد تشديد قبضتها على العراق، الذي ستجعله مصيدة دموية للقوات الأميركية.
رسميا، يتجه الغرب إلى تصعيد العقوبات فقط، لكن قد لا يكون محتملا تعاظم الوقوع تحت الابتزاز والتخريب الإيراني في العراق وأفغانستان، فهو تخريب قادر بالفعل على إطاحة المشاريع الأميركية لخلق استقرار يمهد للانسحاب، وقد ينتهي الأمر بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل التي تتحرق شوقا لضربة عسكرية.
إدارة أوباما التي تعرف جيدا أن مفتاح النجاح في مواجهة كل خصومها هو النجاح على الجبهة الفلسطينية باختراق حاسم لحلّ الدولتين، استسلمت تقريبا لمسار غير حاسم أبدا، مثل المفاوضات غير المباشرة، والأوروبيون يُظهرون عجزا مقيما في لعب دور جدّي، وكيف سيكون مقنعا هذا العزم في تنفيذ عقوبات على طهران بسبب نوايا غير مثبتة لامتلاك أسلحة نووية، بينما لا يمارس أدنى ضغط على إسرائيل، التي تملك قنابل نووية وتحتل أراضي الغير، وتحرم شعبا من العيش مثل بقية شعوب الأرض في دولة مستقلّة.
الأوروبيون يتظاهرون بالحركة من خلال مشروع مؤتمر جديد حول الشرق الأوسط، وساركوزي يتنصل على الفور من اقتراح عملي وعادل طرحه وزير خارجيته كوشنير مع وزير خارجية إسبانيا موراتينوس بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلّة في غضون عامين.
واستمعنا أيضا إلى موقف بريطاني معارض للاقتراح على أساس انتظار نتائج المفاوضات أولا، وهكذا يتبدّى الاستخذاء الأوروبي والأميركي في القضية المفتاح ليترك للقوتين الإقليميتين إسرائيل وإيران أن تقررا بشأن المستقبل.
ولا تسأل عن دور العرب هنا، فما كان لهم أن يقرروا دورا يحدد مسار الأحداث ليتدخلوا موحدين وبعزيمة قاطعة لإلغاء قرار منع المطلك ومرشحين آخرين من خوض الانتخابات العراقية، وهو القرار الذي نعرف أنه إيراني المنبع والغايات.