يأمل المغتربون الأردنيون في الخارج أن يفضي التعديل التشريعي الجديد لقانون الإنتخاب الى تحقيق مرادهم ومرامهم بمشاركتهم بقية اخوانهم في مناسبات تشريعية، تعكس أصوات من لم يفتأ في المساهمة بالاقتصاد الأردني على مراحل دوراته المختلفة.
يُعلق كثير من هؤلاء المغتربين - وأنا منهم- آمالا بأن تهتم الحكومة الموكلة لها هذه المهمة التاريخية - بتسجيل التفاتة لنا نحن المقيمون في الخارج، إذ نعيش في بلدان تتواجد فيها جاليات تمثل دولاً مختلفة ذات قدرات ديمقراطية وإمكانيات مالية وتشريعية اقل بكثيرا مما بلغناه، بيد أنهم يشاركون أوطانهم حياتها الديمقراطية من خلال الإدلاء بأصواتهم من وراء الحدود.
ولعل حالة عدم الرضا والتراجع التدريجي في افرازات الناخبين لمرشحيهم على مدار دورات مجالس النواب الأخيرة، يدعونا الى ضرورة البحث عن اضافة نوعية جديدة من الناخبين، والذين علّمتهم تجارب غربتهم أن لا إتنماء سوى للملك وللوطن ورفعته، وإن كانوا يدركون أهمية الإنضواء تحت المظلة العشائرية والجهوية، لكن التغيرات التي يشهدها العالم وما ترتب عليها من إنخراطهم في تجارب جديدة في بلدان يلتقي فيها الأبيض مع الأسود والأحمر على قاسم مشترك أساسه المصلحة، تدفعهم لتقديم أولويات على أخرى.
لذا كان من المهم أن تتحقق تلك الإلتفاتة، فقد إكتسبنا خبرات متنوعة نتيجة اختلاطنا بغيرنا ممن جاؤا من خلفيات تجارب ديمقراطيات كبيرة الى دكتاتوريات أكبر، تلك الخبرة الممتزجة التي تؤهلنا لتقديم صوتنا لمن يستحق لأن يمثل مصالح الوطن الواسعة، من دون أن نكون تحت وطأة مؤثرات العشيرة والإنتماء والجذور والخلفيات والحكم المسبق المبني على إجترار قناعات الآخرين.
650 ألف من المغتربين من خيرة أبناء الوطن، يعلقون آمالا عريضة على التغير المقبل، ولعل حالة الإنحدار التي إنتجت مجالس نيابية أخذت تزداد ضعفا، تسببت في إصابتهم بصدمة وإحباط، إذ لم يكن أداء تلك المؤسسة في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تحيط بالمملكة متناغماً مع تطلعات قواعدهم الإنتحابية، فكيف بها تكون مقنعة لأولئك المقيمين بالخارج والذين لم يدخروا جهدا في المساهمة بتعزيز ميزان مدفوعات بلادهم، والتضحية بأزهى سنوات حياتهم لتوفير حياة وتعليم ملائم لذويهم وأبنائهم، ليكون دورهم متقدماً على ذلك الدور الذي لعبته السلطة التشريعية في المساعدة ببناء اقتصاد عصري، مرن، قادر عن الوقوف صداً منيعاً أمام التحديات الجسام والتي إزدادت تأثيرها في سنة الأزمة المالية العالمية.
هل ستوفّر القاعدة القانونية الجديدة للإنتخابات أرضية جديدة لأردنيي الخارج للمساهمة في إحداث تغيير ملموس في الافراز النيابي، هل سيراعي ذلك القانون المنتظر تلك التغيرات السكانية ودرجات التمركز الاقتصادي في المملكة، أم هل ستعيدنا الى نقطة البداية والمربع الأول والذي يتمثل في انسياق كثيرين نحو مرشحيهم (الخدومين فترة الحملات الإنتخابية فقط) تبعاً لإلتزامات عائلية وعشائرية وربما مقابل منافع مالية معينة أووعودا بتوفير وظيفة في مكان ما على حساب آخرين أكثر تأهيلا، في حين لا يملك الكثيرون من هؤلاء المرشحين والنواب القدرات على استشراف ما يحيط بالمملكة من تحديات، بل أن اللجان بالغة التخصص والتعقيد في المجلس تسند لأشخاص لا صلة لهم بما أحيل لهم من مسؤوليات جسام.
توجيه جلالة سيد البلاد بحل البرلمان يمثّل فرصة تأريخية للوقوف مع الذات، فلا ضير من التعلّم من التجارب التي افرزتها الأزمات السياسية والاقتصادية في المنطقة، كما لا يقلل من شأننا لو قمنا بالبحث عن مكامن فشل المجالس الأخيرة، والتي بدت معزولة عن محيطها الإنتخابي الصغير ومحيطها العربي والعالمي الكبير، وقبل هذا وذاك ينبغي أن نتماهى مع مقدار تطلعات سيد البلاد والذي يحتاج لروافد جديدة تصب في جدول اقتصاد متقدم وتنمية سياسية ومشاركة فعالة تفضي للحفاظ على المكتسبات التي راكمها ابو الحسين، ومن قبله الحسين الباني طيب الله ثراه.
لقد استغل المغتربون فرصة الأعياد المباركة للإلتقاء وتجاذب أطراف الحديث وبناء مقارنات لدور المؤسسات التشريعية في عدة مواطن من بينها وطنهم ومهوى افئدتهم، كما كانوا يتعجبون من مشاركة محيطهم في العمل والمسكن في الحياة التشريعة لبلدانهم، فيما لك يكن بيدهم حيلة في هذا الصدد سوى إبداء الإعجاب أو الإشارة الى مواطن القصور لتلك التجارب، ولعل ما يظهر أكثر وضوحا هو استمرار حديثهم عن الدور المتراجع لسفارات المملكة في الخارج والتي يفترض أن يوكل لها مهمة إدماج هؤلاء المغتربين مع موطنهم، فضلاً عن تمثيلها نافذة لوصول صوتهم عبر عدة منابر ابرزها فسح المجال لهم للإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات ليشعروا بحقيقة إهتمام آخرين بطموحاتهم وآمالهم وآلامهم.
وتبرز أهمية هذه النافذة، فيما يرغب الجيل الأول من المغتربين الأردنيين الى إدماج أبنائهم ممن ولدوا في بلاد الإغتراب بهموم موطنهم، وهو الجيل الذي يعامل أقرانه من أبناء الوطن على أساس الإنتماء بصرف النظر عن عن موقع والده إن كان في الرمثا أو معان أو السلط.
كثير من النماذج الإنتخابية العربية أفسحت لمغتربي تلك البلدان المشاركة فيها حين أقيم، فقد شهدنا مشاركة اللبنانيين في الانتخابات الأخيرة، كما أطلعنا على تجربتيّ موريتانيا وتونس الأخيرتين، حيث مهدت سفارات هذه البلدان الطريق أمام هؤلاء للتعبير عن توجهاتهم ضمن الإطار الإنتخابي، وهو ما ندعو له أسوة بغيرنا كأضعف الإيمان.
حفظ الله ابا الحسين وقدر الله الحكومة على التناغم مع مستوى تطلعاته، متأملين أن يسفر العرس الديمقراطي المقبل عن مخرجات ذات قدرات عالية على قراءة ظروف المرحلة وتحدياتها، ونأمل أن تعيد القواعد الإنتخابية المتمثلة بالمدخلات حساباتها بعيداً عن التشنج والمصالح القصيرة الأجل، إذ يحتاج الوطن لكل أصحاب المقدرات التي تؤهله للمضي قدما في الذود عن مصالحه وترجمة آمال أبناءه.