لا يختلف اثنان على ان بناء منظومة للرقابة الرسمية والشعبية تقي الدول من الفساد واستشراء البيرقراطية وتصلب الجهاز الاداري في الدولة باعتبار الرقابة صمام امان وجرس انذار لكل من يحاول الفساد او الافساد, لان ليس من مصلحة الدول ان تسكت على الفاسدين او تحابيهم.
وقد تنبهت الدولة الاردنية مبكرا الى اهمية ضبط الانفاق ووقف الهدر في المال العام من خلال فرض رقابة ديوان المحاسبة على كل قرار إداري او صرف مالي من اجل مواءمته مع القوانين والانظمة المرعية ومنع الصرف الا حسب القوانين والاساليب المحاسبية المتعارف عليها, وقد اصبح ديوان المحاسبة رقيبا مهما على اجهزة الدولة المختلفة, وساهم في ارجاع عشرات الملايين من الدنانير المهدورة.
بالامس اصدرت منظمة النزاهة الدولية ومقرها واشنطن تقريرا قالت فيه ان "إصلاح إطار مكافحة الفساد في الاردن خلال السنوات القليلة الماضية انتج هيئات خائفة والقليل من النتائج", ورغم تحفظي على مشروعية ودقة هكذا تقارير غير منزهة القصد والخطأ, الا ان هذه العبارة تلخص بدقة متناهية الكثير من حالتنا في الرقابة على المال العام ومكافحة الفساد.
والسبب يعود الى ان المواطن يسمع "جعجعة ولا يرى طحينا", يسمع بالفساد والفاسدين لكنه لم ير احدا من "شيوخهم" وراء القضبان والمواطن يسمع عن قضايا بعشرات الملايين هنا وهناك لكن من يعلق الجرس.
صحيح ان ليس كل ما يقال هو صحيح, لكن لا يخفى على احد ان هناك الكثير من الاشاعات والاقاويل التي رافقت وترافق اشخاصا في وظائفهم او خرجوا منها, دون ان نرى تحقيقا من اجل اظهار الحقائق حتى ان لجانا برلمانية جمدت اعمالها او تقاريرها دون اعلام الرأي العام بالنتائج.
نعم لدينا ديوان المحاسبة ودائرة مكافحة الفساد وديوان المظالم وقانون اشهار الذمة المالية وكلها مؤسسات محترمة نتمنى ان تأخذ دورها القانوني الحقيقي في فرض ولايتها الرقابية والمحاسبية بعيدا عن العلاقة مع السلطة التنفيذية وتأثيرها في اظهار"العين الحمراء" لحالة دون اخرى.
فالمواطن العربي عامة الذي يرى اليات المساءلة الفاعلة والمحاكمات الجارية في دولة مثل "الكيان الصهيوني" ويتحسر على بلده وهو يرى"ديمقراطية وشفافية" دولة هجين لقيط لا تتورع في محاسبة مسؤولين كبار عن قضايا الاغتصاب او التحرش الجنسي او استغلال الوظيفة او الاثراء غير المشروع حتى لو في شراء تذكرة سفر وتستمر التحقيقات والمحاكمات سنوات حتى اجلاء الحقيقة للناس دون الخوف من ان فتح تلك الملفات يؤثر على سمعة الدولة والاشخاص المعنيين لان القانون هو الفيصل والاولى في الرعاية والمخطىء يدفع ثمن خطئه.
لا نريد الا الحقائق ونريد تكريس سياسة العقاب لكل من يخطىء والعقوبة حسب نوعية الخطأ ودرجته وان لا يفلت من العقاب الموظف الصغير والموظف الكبير على حد السواء, بحيث يفكر كل من تسول له نفسه السطو على المال العام مئة مرة قبل ان يرتكب جريمته.
اذكر في طفولتي كنا صغارا ندور في شوارع مادبا وراء شخص يُركبّه الشرطي "ابو عرب" بشكل معكوس على حمار ويعلق على رقبته كرشة خروف كتعزير له على جريمة سرقة احد البيوت, للاسف انه زمن ولى كان فيه الناس يعرفون معنى الفضيحة والتعزير !0